الرئيسية تقارير

شارك من خلال الواتس اب
    لماذا لا يكون أمر الدفاع 28 فرصتنا للتغيير؟
    تعبيرية

    أحداث اليوم -

    جلال أبو صالح - بعد أكثر من أسبوع من تفعيل العمل بأمر الدفاع (28)، ما يزال الجدل قائماً بين من يرى أن القرار "يعطي فرصة للدائنين بتصويب أوضاعهم"، ومن يجد أنه "ساهم بتفاقم المشكلة ولم يأت بحلول واقعية".

    هذا بالذات، ما نبه منتدى دعم تطوير قطاع العدالة في الأردن، لعقد جلسة تشاورية الأحد 4 نيسان/أبريل، بتنظيم من درة المنال للتنمية والتدريب ومنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، للبحث عن الآثار الاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي ترتبت على الأفراد بعد تفعيل أمر الدفاع ذاته.

    ينص أمر دفاع (28) على إيقاف العمل بقرارات حبس المدين، ووقف تنفيذ الاحكام الجزائية المتعلقة بشيك لا يقابله رصيد، حتى نهاية العام، كما يتيح الاستمرار بإجراءات التقاضي، وطلب تثبيت الحقوق بين الدائن والمدين، ومنع المدين من السفر لحين قضاء الدين.

    ومع النقاش الدائر حول أمر الدفاع هذا، تعود التنبيهات من جديد حول ضرورة الاستفادة من أزمة كورونا كفرصة لاختبار فاعلية السياسات العامة القائمة، ومدى فعالية منظومة الحماية الاجتماعية المعمول بها في الأردن.

    وفي الجلسة، التي أدارتها المستشار الأول لدرة المنال، د. سوسن المجالي، أكدت أهمية إفساح المجال أمام المدين ليعمل ويقوم بالسداد، مع التأكيد على أهمية صون حقوق الدائن".

    وترى المجالي أن معالجة المشكلة التي بين أيدينا، تتطلب تعديل قانون التنفيذ؛ لمنع حبس المدين المتعثر، وفي الوقت ذاته يوفر ضمانات للدائنين، وبما يكفل، في نهاية الأمر، الوصول لتحقيق العدالة للجميع.

    * المال أم الجسد؟ ونظرة قانونية

    في تفسيره لأمر الدفاع، يلاحظ المحامي، رامي قويدر، أن "أمر 28 لم يأت بشيء جديد، ولم يختلف عما كان معمول به سابقاً؛ فقرار وقف حبس المدين لا يعني عدم قدرت المدين على إقامة دعوى بحقه، أو زوال الحالة الجرمية، وإنما لا يتم تنفيذ قرار الحبس حتى نهاية العام".

    يرى قويدر أن الأمر يترتب عليه أثار سلبية عديدة؛ كفقدان الثقة بالتعاملات التجارية؛ ما يؤثر على الاقتصاد الوطني، وفقدان ثقة الأفراد بسياسة الإقراض التي يترتب عليها أثر على الدائن من ناحية أن يصبح مديناً.

    ويعتقد أن هناك فرصة لإعادة جدولة ديون المدين وتصويب أوضاعه، وذلك يعني وقف حبس الأفراد الذين يكلفون الدولة كلفاً باهظة، وإرجاع حق الدائن بأقل الخسائر الممكنة.

    واستشهد قويدر بمقولة "المطلوب مال المدين وليس جسده"، على اعتبار أن الحبس لا يحل مشكلة الدائن بتحصيل ماله، كما هو الحال في قوانين دول عربية مثل الإمارات ومصر والكويت التي تمنع حبس المدين إلا في حالات معينة كقضايا النفقة.

    وعلى صعيد وقف تنفيذ الاحكام الجزائية في جرائم إعطاء شيك لا يقابله رصيد، أوضح قويدر أن أمر الدفاع لم يرفع الحماية الجزائية عن الشيكات، بل أن النص أكد أنها لا تزال جريمة يعاقب عليها القانون، وما حصل فقط أن أمر الدفاع أجل تنفيذ الحكم الجزائي على مرتكب مثل هذا النوع من الجرائم.

    يتفق مع طروحات قويدر، زيدون أبو حسان/ صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، ويؤكد أن "حبس المدين قاس خصوصا للذي ليس لديه نية سوء"، محملاً شركات الاقراض "تدهور الوضع الاقتصادي الذي نعيشه اليوم".

    * الحاجة لتفعيل قانون الائتمان

    "إن قانون الائتمان، وهو موجود بالغرب، يعتمد على خلفية الشخص وتاريخه مع القروض، فهنا، ومع هذا القانون، يطمئن الدائن ويعطي المدين.. وكذلك الأمر عند إصدار شيكات او استئجار عقار"، بحسب الاقتصادي د. يوسف منصور، معتبراً أن تفعيل قانون الإعسار دون تفعيل قانون التاريخ الائتماني لا يجدي نفعاً.

    ويؤكد أن إعفاء الإنسان من الحبس "حل منقوص"، لكن "مع غياب قانون الائتمان، لا يجوز إلغاء الحبس"، مطالباً باستحداث قاعدة بيانات وطنية تعالج الخلل في طرق جمع بيانات الائتمان المتبعة لتسهيل معرفة تاريخ الأفراد.

    لكن تميم القصراوي من غرفتي تجارة الأردن وعمان، يرى أن تطبيق نظام الائتمان يجب أن يحصل بشكل صحيح وسريع، وعلى الدولة وضع خطة شاملة ومحكمة لإنجاح هذا الأمر.

    * مشكلات تنتعش على السطح

    "إن إصدار أمر دفاع 28 أحدث إرباكاً داخل القطاع التجاري، بسبب وجود تجار لديهم أموال عند تجار آخرين، ومع تفعيل الأمر، امتنعوا عن السداد، هكذا يرى محمود الجليس/ غرفة تجارة الأردن، مؤكداً على أهمية تفعيل قانوني الإعسار ومنع الربا لعلاج مشكلة المتعثرين.

    بينما تؤكد، مرام ذنيبات، أن أزمة كورونا والوضع الاقتصادي الصعب يتطلبان من الحكومة تحمل مسؤولياتها مع الشعب والقطاعات الاقتصادية المتضررة، وتخفيض الضرائب والرسوم وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.

    وعرفت ذنيبات، المدين المتعثر، بالموظف الذي يعمل وينقطع عن عمله أو حدثت له أمور طارئة، أو المتعطل عن العمل، وكذلك الحال للتاجر الذي انقطع دخله نتيجة ظروف قاهرة.

    المحامي محمد السمهوري، يبين أن تأجيل التنفيذ بالحبس وقرارات المحاكم الجزائية بما يتعلق بالشيكات دون رصيد، يستدعي، تدخل قاضي التنفيذ للتحقق من ظروف المدين، لكي لا يكون الدائن سيفاً على رقاب المدينين.

    * من يدق جرس الإنذار؟

    "رغم أن أمر الدفاع هذا ينسجم مع العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، إلا أنه مؤقت خلال فترة الجائحة، ما قد يخلق نوعاً من الفوضى حين يأخذ الدائن حقه بيده من المدين"، تقول المحامية رحاب القدومي التي تدق جرس الإنذار مجتمعياً وحكومياً حول الآثار التي يمكن لها أن تحصل في ظل غياب إجراءات تضمن حق الدائن.

    فيما ذهب ليث الحطيني من جمعية "سنحيا كراماً"، إلى أن هناك مشاكل نفسية كبيرة تحدث للغارمين والغارمات بسبب تراكم الديون، وعدم المقدرة على السداد.

    يقول "عند دراستنا لموضوع الغارمات، ظهر أن هناك ضغط نفسي كبير على السيدات، حتى أن نسبة كبيرة فكرن بالانتحار بسبب الديون أو تهديدهن بالسجن".

    المستشار القانوني عبدالله أبو زيد رأى أن المجتمع الأردني لديه ثقافة: "السجن للجميع"، بمعنى أخذ حقوق الأفراد لا يحدث ولا يمكن له أن يكون إلا بحبس المدين أو المشتكى عليه.

    وباعتقاده، فإن حل هذه الإشكالية، يتحقق بحبس المدين لمدة قصيرة، وإلغاء الحماية الجزائية على الشيكات، وتفعيل دور الشراكات مع القطاع الخاص بعمل استثمارات ضخمة داخل السجون لمساعدة المدينين على السداد.

    * فرصة للتغيير

    وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة والمحامية، ريم أبو حسان، نبهت لضرورة أن يكون "أمر الدفاع فرصة لاختبار عدد من المفاهيم التي تكون جزءً من قانون التنفيذ، وأن تراجع اللجنة المسؤولية عن القانون دراسة قراراتها بما يتلاءم مع الواقع".

    واعتبرت أن المشكلة الأساسية تتعلق بالفوائد الفاحشة التي أجازها قانون البنك المركزي رقم 202 لعام 2002، والذي فتح باب الفوائد الربوية، مؤكدة أهمية إعادة الوضع إلى القانون العثماني الذي منع زيادة حجم الفوائد عن قيمة أصل الدين.

    وطالبت بتفعيل قانون التاريخ الائتماني والإعسار والإفلاس والربا الفاحش، وأن تعود الصلاحية لقاضي التنفيذ، وتوحيد الجهود بين المجتمع المدني والمحامين وغرف الصناعة والتجارة والحكومة؛ لحماية مصلحة المدين والدائن.

    وجددت المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة، سمر محارب، تأكيدها بإيجاد حلول عملية للمشكلات المجتمعية، وتسليط الضوء على سياسات الحماية الاجتماعية، والتركيز على الفئات الأكثر هشاشة والتي تعوزها بعض المساعدات المالية حتى تتخطى عبء الديون.

    واستندت محارب في حديثها، على مسح خلال أزمة كورونا، تبين فيه أن 65% من النساء الأردنيات اللواتي شملهن المسح كن مدينات سواء بقروض رسمية بموجب سندات قانونية أو من البنوك أو بديون غير رسمية.

    وبالنسبة للاجئات السوريات، ظهر المسح أن 93% مدينات بديون رسمية وغير رسمية، ما يتطلب من مؤسسات المجتمع المدني، بحسب محارب، توحيد الجهود ودعم مشاريع المساعدة المالية لتحفيز السداد والحرص على السلم المجتمعي ما بين حقوق الدائن والمدين.

    وحسب المسح، فإن ٥٠٪ من النساء المطلقات مدينات، مقارنة بـ ٤٣٪ من المتزوجات والأرامل، فيما ترتفع النسبة إلى ٦٠٪ للمعيلات لأسرهن، مع التأكيد على أنه كلما ارتفعت الدرجة العلمية زاد حجم الدين.

    * إعادة ترتيب الأوراق

    لم يخف المتحدثون قلقهم من القيود والآثار المترتبة بسبب أمر الدفاع، لكنهم طالبوا بتضافر جهود المؤسسات والدولة والجهاز القضائي وكافة القطاعات وتسخيرها لإعادة ثقة المواطنين والتجار والبنوك في الاقتصاد الأردني.

    وبحسبهم، فإن المرحلة الحالية بحاجة لمراجعة التشريعات المتعلقة بسياسة الاقراض، وتقليص مدة الحبس لتشمل كافة الديون على المدين ومنح تسهيلات وإعفاءات ضريبة له، وعدم الحبس المدين العامل بالقطاع الخاص ويحمل رقم ضمان اجتماعي، قياساً على الموظف العام، وباعتبار أن مستحقاته لدى الضمان ضامنة لسداد الديون المترتبة عليه.

    وتنبه المتحدثون للتبعات الاجتماعية المترتبة على الغارمين، في ظل غياب المعرفة القانونية لديهم، وهو ما نلاحظه جلياً في البنوك الذين يكتبون أوراقاً قانونية معقدة لا يفهما الناس.

    واجمعوا على ضرورة رفع الوعي القانوني للأفراد، وتطوير دور السياسة الائتمانية، ومراجعة دور مؤسسات التمويل الصغيرة، وتفعيل قانون الإعسار، وكذلك إنشاء صناديق خاصة من خلال المسؤولية الاجتماعية للشركات.

    بالمحصلة؛ فإن أمر دفاع 28 فرصة جديدة ومدخل "مهم" للأردن لإجراء تعديلات على تشريعاته، بما يحقق التوازن للطرفين، الدائن والمدين، وبالتالي، تحصيل حقوقهم بأقل الخسائر الممكنة.





    [06-04-2021 02:12 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع