الرئيسية
صوتنا
أحداث اليوم - شكّلت دعوة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني إلى «توثيق السردية الأردنية بمشاركة أبناء وبنات الوطن» محور اهتمام واسع في الأوساط الثقافية والشبابية، بعد أن طرحها خلال لقائه الأخير مع أبناء محافظة الطفيلة. وجاء تصريح سموه تأكيدًا على أهمية صياغة الرواية الوطنية بطريقة تشاركية تعكس تاريخ الأردن وتجربته وقيمه، وتشكّل مرجعًا معرفيًا وثقافيًا للأجيال المقبلة.
رؤية ولي العهد: السردية مشروع دولة ومجتمع
حديث ولي العهد لم يأتِ في سياق ثقافي فحسب، بل بوصفه رؤية متكاملة لبناء وعي وطني صلب. فقد شدد سموه على أن توثيق السردية ليس مسؤولية المؤسسات الرسمية فقط، بل يجب أن يكون مشروعًا يشارك فيه الأردنيون جميعًا، بمختلف مواقعهم وانتماءاتهم، ليعبّر عن التجربة الأردنية بكل تنوعها.
ويرى مراقبون أن دعوة سموه تحمل رسالة واضحة مفادها أن الرواية الوطنية لا تُفرض من الأعلى، بل تُبنى بالاشتراك مع المجتمع؛ من خلال تسجيل القصص، وتوثيق الذاكرة المحلية، وتقديم سردية تعكس الهوية الأردنية بجذورها وتطلعاتها.
السردية الأردنية… هوية تتجدد
تأتي أهمية «السردية الوطنية» من كونها الإطار الذي يحدد صورة المجتمع عن نفسه، وترسّخ قيمه التاريخية والثقافية، وتشكّل جسرًا بين الماضي والحاضر. وفي الحالة الأردنية، فإن هذه السردية تستند إلى عدة مرتكزات:
الإرث الهاشمي والثورة العربية الكبرى بوصفهما أساس الشرعية التاريخية وبداية بناء الدولة.
مسيرة بناء المؤسسات منذ التأسيس وصولًا إلى الدولة الحديثة.
التنوّع الاجتماعي والثقافي الذي يشكل أحد أبرز عناصر القوة في الهوية الأردنية.
الدور الإقليمي والإنساني للأردن في محيط مضطرب.
هذه العناصر مجتمعة جعلت من السردية الأردنية قصة وطن مستقر، قائم على قيم الاعتدال والانفتاح، وواعٍ لدوره التاريخي والإنساني.
وزارة الثقافة ومشروع التوثيق
وزارة الثقافة كانت قد أعلنت في وقت سابق استمرار عملها في توثيق السردية الوطنية في المحافظات، من خلال مشاريع بحثية وتوثيقية تعتمد على الأرشفة، وإصدار الكتب، وتوثيق التاريخ المحلي لكل منطقة باللغتين العربية والإنجليزية.
وتشير الوزارة إلى أن هذا العمل يأتي جزءًا من “التنمية الثقافية” التي تعزز الهوية الوطنية وتحمي الوعي من التشويه أو النسيان.
دور الشباب في رواية القصة الوطنية
جمعيات شبابية مثل «سند» رحبت برؤية ولي العهد، مؤكدة أن الشباب هم الأكثر قدرة على حمل السردية الوطنية وتقديمها بطرق حديثة عبر الإعلام الرقمي، وصناعة المحتوى، والمشاريع الثقافية.
وترى هذه الجهات أن إشراك الشباب في صياغة السردية سيعزز انتماءهم، ويمكّنهم من فهم تاريخ وطنهم وتقديمه بصورة جديدة تتناسب مع لغة العصر.
تحديات أمام مشروع وطني واسع
رغم الزخم الرسمي والمجتمعي حول توثيق السردية الأردنية، إلا أن هناك تحديات لا يمكن تجاهلها، أبرزها:
تعدد الروايات المحلية واختلاف التجارب بين المحافظات.
ضعف الأرشفة التاريخية في بعض المناطق.
الحاجة إلى كوادر بحثية ومؤسسات متخصصة في التاريخ الشفوي والرقمي.
أهمية نقل السردية للمناهج بطرق حديثة لا تقف عند السرد التقليدي.
ويرى خبراء في الشأن الثقافي أن التغلب على هذه التحديات يتطلب خطة وطنية شاملة ومؤسسية، تتضمن تعاونًا بين الحكومة والمجتمع المدني والجامعات والقطاع الثقافي.
خطوة نحو المستقبل
تدل دعوة سمو ولي العهد إلى توثيق السردية الأردنية على توجه رسمي لإعادة الاهتمام بالهوية الوطنية في زمن التغيّرات المتسارعة. فالسردية ليست مجرد وثائق أو قصص، بل مشروع لبناء ذاكرة جمعية متماسكة، وتحصين وعي الأجيال، وتعزيز الانتماء الوطني.
ويؤكد مختصون أن هذه الخطوة قد تمهّد لإنشاء قاعدة بيانات وطنية، وأرشيف رقمي متكامل، وإطلاق منصات شبابية وثقافية تروي قصة الأردن بطريقة حديثة.
كما من المتوقع أن تدعم هذه الرؤية إنتاج محتوى إعلامي وثقافي يقدّم الأردن بتاريخه ودوره وتنوعه، من خلال أفلام وثائقية وبرامج تعليمية ومعارض تفاعلية.
خاتمة
تبدو دعوة ولي العهد إلى توثيق السردية الأردنية محطة مفصلية في مسار إعادة صياغة الهوية الوطنية. فهي دعوة إلى مجتمع كامل ليشارك في رواية قصة وطنه، وإلى مؤسسات الدولة لبناء مشروع ثقافي طويل الأمد.
وفي وقت تتغير فيه مصادر المعرفة وتتعدد فيه الأصوات، يأتي هذا التوجّه ليضع «السردية الأردنية» في مكانها الصحيح: مرجعًا للأجيال، ومصدر قوة للدولة، وجسرًا بين تاريخ الأردن ومستقبله.



