الرئيسية
صوتنا
أحداث اليوم - احمد ابو جعفر - لم يكن مشهد الطفل الأردني الذي يقدّم علبة حليب لطفل في غزة مجرّد لقطة عابرة في نشرة أخبار أو صورة مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي. كان ذلك اختصارًا صادقًا لما يشعر به الأردنيون جميعًا تجاه إخوتهم في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة المحاصر، حيث تتحوّل الحياة إلى اختبار يومي للبقاء، وتصبح لقمة الخبز والحليب حلمًا مستحيلًا.
أطفال الأردن لم يتعلموا من مناهج مدرسيّة أو شعارات محفوظة أن فلسطين قضية العرب الأولى؛ بل عرفوها من وجع أمهاتهم، من دعاء آبائهم، من خطب الجمعة، ومن خيمات العزاء والفرح التي كانت دائمًا تنتهي بكلمة: "والله ما نسينا فلسطين".
فأن يحمل طفل أردني بيديه الصغيرة علبة حليب ويرسلها إلى غزة، فهذا ليس فقط تضامنًا إنسانيًا، بل استحضار عميق لمعنى الجسد الواحد، الذي إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أردن الدولة والشعب.. في خندق فلسطين
لطالما كان الأردن، قيادةً وشعبًا، في الصف الأول للدفاع عن الحق الفلسطيني، سواء في المواقف السياسية الثابتة أو في المبادرات الميدانية، التي لم تنقطع يومًا رغم الظروف الصعبة.
منذ بداية العدوان المتكرر على غزة، تحرك الأردن بسرعة وفاعلية، سواء عبر الجسور الجوية التي تنقل المساعدات الطبية والغذائية، أو عبر المستشفيات الميدانية التي أقيمت على حدود القطاع، والتي كانت الملاذ الأخير لجرحى لا يجدون من يضمد نزفهم.
القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، لا تكتفي بتقديم الدعم اللوجستي، بل تبعث برسائل سياسية وإنسانية واضحة، أن الكرامة لا تُقايض، وأن فلسطين ليست ملفًا سياسيًا بل التزامًا أخلاقيًا وهوية مشتركة.
وفي وقتٍ صمتت فيه كثير من الأنظمة، كان الأردن يضغط، يُدين، ويُصرّ على إدخال القوافل والمساعدات رغم التحديات والعراقيل، مؤكدًا أن الكيان الصهيوني لن ينجح في تجويع غزة تحت سمع العالم وبصره.
رسالة من طفل إلى أمّة
حين يرسل طفل أردني الحليب إلى طفل في غزة، فهو يفضح كل هذا العالم الميت ضميرًا، الذي يرى المجاعة ولا يتحرك، ويشاهد الأطفال يموتون بصمت ولا يرفع صوته.
هو لا يعرف بيانات القمم، ولا كلمات الإدانات، لكنه يعرف أن هناك طفلًا آخر يبكي لأنه جائع، وهذا وحده يكفي.
وهنا، لا بد من التوقف لحظة تأمل: إن كانت هذه مشاعر الأطفال، فماذا علينا نحن الكبار أن نفعل؟
وهل يكفي أن نشعر؟ أم أن الواجب يفرض علينا أن نتحرك، نضغط، نتبرع، نكتب، نكشف، ونكسر الصمت الإعلامي والإنساني؟
خاتمة: من الأردن إلى غزة.. دم لا يجف
من الخبز إلى الحليب، من الدعاء إلى الطائرات، من الطفل إلى الدولة، يواصل الأردن فعل ما يجب، لا ما يُطلب.
وغزة، رغم الجوع والحصار، تعرف أن في الشرق بلدًا اسمه الأردن، ما زال القلب فيه ينبض باسمها، وما زال الجسد يتألم لوجعها.
فلا عجب أن يُرسل الحليب من طفل لآخر، لأن هناك شعبًا لا يزال يصرّ أن فلسطين ليست قضية تضامن، بل قضية وجود.



