الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    من أينَ جاء النقابُ إلى الأردن؟

    جدّاتنا وأمهاتنا لم يعرفنَ سوى غطاء الرأس في الريفِ والبادية، وكانت تنسدلُ خصلاتُ الشعر على الجبين، والجدائلُ على الأكتاف، فيما الفساتين وقصّات الشَعر تمشي في شوارع المدن الأردنية، وتُواكب الموضة في القاهرة وبيروت.

    لاحظوا الثيابَ القصيرةَ الأنيقةَ في صور خرّيجات الجامعة الأردنية ، لاحظوا البهجةَ والألوانَ والحشمةَ لنساءِ الستينات والسبعينات والثمانينات في شارع طلال، ووادي صقرة، وجبل الحسين.

    من أين جاءَ النقابُ، واكتسحَ الجامعات والكليّات المتوسطة والمراكز التجارية، وهبطَ كليلٍ على نهاراتنا. الجدّات والأمهات كنّ يرفلنَ بـ'المدارق والشروش' المطرّزة بخيوط القطن الابيض والأخضر والأحمر. هذا تطريزٌ سلطيٌّ مشغولٌ بعروقٍ زاهية، على هيئة أغصان أو زهور. هذا تطريزٌ كركيٌّ أو رمثاويٌّ أو نابلسيٌّ على أكتاف الثوب وذيله وصدره. هذا حِزامٌ مُوشّحٌ ينتصفُ كقوس قزح. كلُّ غرزة حكايةٌ في اللون وبهجته، ترسمها اليدُ على قامة الثوب، وتحرصُ على التفاصيل، فتسيرُ المرأة جميلةً وواثقةً، كأنها لوحةٌ من أشجارٍ وعناقيد ومواسم ضوء.

    أمّا غطاءُ الوجه، فلم تعرفه الأردنياتُ، قبل أنْ يغتربَ الأردنيون ويعودوا بنساءٍ منقّباتٍ، وقبل أنْ يدهمنا التطرّفُ والتشدّدُ، وقبل أنْ ينتشرَ في شوارعنا الزيُ الأفغانيُّ. كانت الفتياتُ الصغيراتُ واليافعاتُ في القرى والبادية والمدن فخوراتٍ بجدائلهنّ. القروياتُ المتزوّجاتُ لهنّ مناديلُ لا تغطي الشعر كاملاً. ترتدي البدويةُ والفلاحة 'شِماغَ' الرجال أو العَصْبة، أو 'المسْفحَ' و'العُرْجَةَ' و 'البشكيرّ الألماني' وبعض ذلك من حريرٍ مقصّب، ليس حِجاباً ولا نقاباً في تراثنا وفولكورنا الشعبيّ. غطاء الرأس كان تعبيراً اجتماعياً، لا دينياً. والشاهدُ أنّ جداتنا المسيحيات في الحُصن والسماكية والفحيص كنّ يحرصنَ على هذا الفولكلور البهيّ.

    النقابُ ليسَ من الاصول الأردنية، وليسَ من ثقافتنا، ولم يردْ له ذكرٌ في 'مَعلمة التراث الأردني' للمؤرخ الكبير روكس بن زائد العزيزي. وقد ارتبط بمجتمعاتٍ مغلقة، تعيشُ فيها الأنثى ظروفاً انسانيةً بالغةَ السوء، وتُحرمُ من حقوقها الاساسية. ونحنُ لسنا كذلك، ففي نهاية القرن التاسع عشر كانت النساءُ حاضراتٍ في ديوان الأمير راشد الخزاعي في عجلون، وكان يقول:'مَراكي الحريم سروج'. وشرحها أنّ المرأةَ تتخذُ من سرج الحصان أو الفَرس موضعاً لزندها في مجلس الرجال، شأنها شأن الفُرسان..

    كانت الأردنيةُ تُقسمُ بــ'عُقْصَتِها' تعبيراً عن الناموس والشرف، قبل أن نتوارى في الأقنعة.





    [21-08-2016 08:19 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع