الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    مبروك مريم

    في سابقة لم تحصل من قبل، تصدرت طالبة عراقية، هي مريم البياتي، قائمة أوائل الثانوية العامة على مستوى المملكة، بنيلها معدل 99 %.
    تفوّق العراقية البياتي يعطي الدليل على نزاهة الامتحان الوطني. ولو كان الأمر خلاف ذلك، لما سمحت وزارة التربية والتعليم لغير الأردني بتسجيل تفوقه على أقرانه من الطلبة الأردنيين. وتلك ميزة تؤكد احترامنا لقيم التنوع والمنافسة الحرة، من دون اعتبار للهوية أو الجنس أو العرق.
    لكن المؤسف أن الطالبة البياتي لا تستطيع، بحكم جنسيتها غير الأردنية، أن تنافس على مقعد في جامعة أردنية ضمن قوائم القبول الموحد، أو أن تحصل على منحة دراسية في إحدى جامعاتنا.
    على مقاعد الدراسة في مدارسنا اليوم، عشرات الآلاف من الطلبة العراقيين والسوريين الذين أجبرتهم الحروب على هجر أوطانهم. إنهم بيننا ولسنين قادمة، وعلينا أن نتكيف مع هذه الحقيقة، ونعمل على توظيفها لصالحنا.
    العراقيون المقيمون بيننا منذ عقدين تقريبا، أصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي الأردني. الآلاف منهم ولدوا وتربوا ودرسوا بيننا، يعملون في مؤسسات أردنية، ويعانون مثلنا من الأوجاع والمصاعب نفسها. ونصادف في حياتنا اليومية كثيرين منهم يتحدثون اللهجة الأردنية الخالصة، ويكنون الانتماء العميق للأردن.
    فوز عراقية بالمركز الأول في "التوجيهي" هو بمثابة تتويج لسنوات العيش المشترك بيننا وبينهم، فمثلما نتشارك معهم مشاعر العذاب والقهر على ما حل بالبلد الشقيق، ها نحن نتشاطر مشاعر الفرحة والنجاح، لا بل والتفوق.
    الذكاء صفة عابرة للهويات والأديان والثقافات والأجناس. صبية عراقية لا أعرف إن كانت قد ولدت هنا أو في العراق، لم تكن تحلم أن يبتسم لها الحظ على هذا النحو، وفي بلاد غير بلادها.
    إنها قصة تشبه إلى حد كبير قصص آلاف من العرب المهاجرين حول العالم، الذين خاضوا غمار التجارب الصعبة، وحققوا النجاح في كل المجالات.
    في السنوات المقبلة، سينافس عراقيون وسوريون زملاءهم من أبناء البلد، مثلما نافست مريم. وستسجل نتائج الدورات المقبلة سوابق مثل هذه، يتفوق فيها أبناء اللاجئين الذين حرمتهم الحروب والفوضى من فرصة المنافسة في بلدانهم.
    إن أعظم ما يمكن أن نقدمه لهؤلاء، هو الشعور بالإنصاف، ورغبتنا في كسبهم بيننا، ليشاركونا عملية البناء والنهوض.
    على أكتاف المتميزين من شتى الجنسيات، نهضت دول عديدة في العالم. دائما ما يشير كثيرون بيننا إلى النموذج الأميركي؛ بلد عملاق بنى قصة نجاحه بفضل ملايين المهاجرين من ديار العالم. كم من أردني نال فرصته في أميركا، وحقق ما عجز عنه في بلده؟
    في الأمس القريب، كانت كينيا تحتفل فخرا بابنها باراك أوباما؛ نجل المهاجر الفقير الذي بلغ سدة الحكم في أكبر دولة في العالم.
    مريم عراقية، ولا يمكن أن تتخلى عن هويتها. لكنها واحدة من أهل هذا البلد؛ تعلمت وتفوقت فيه، وحصدت أعلى المراتب. من حقنا أن نفخر بها، وبمن هم على شاكلتها من أبناء الشعوب العربية الذين يقيمون بيننا. مبروك مريم، ابنتنا التي نفخر بها.





    [29-07-2015 10:57 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع