الرئيسية
مقالات واراء
أحداث اليوم - خاص
بعد أن سكتت "المدافع" في العدوان الصهيوني على قطاع غزة، حتى وإن استمرت تصريحات القادة الإسرائيليين بأن إسرائيل ستستأنف الحرب ضد "حMاس"، وفق تعبيراتهم، تبدو معركة إعمار القطاع المدمر أكثر تعقيدًا من كل التقديرات التي تتحدث عنها الجهات ذات الصلة أو الجهات الأممية "المحايدة".
في دراسة علمية للأكاديمي الباحث في شؤون المستقبل أ.د وليد عبد عبدالحي، نشرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تناول فيها تفاصيل التحديات والمعيقات التي يمكن أن تواجه عملية الإعمار، وحاول رسم استراتيجية متكاملة لحشد طاقات الجهات الدولية كافة، التي يمكن أن تساند عملية الإعمار.
وضع عبدالحي في دراسته العلمية ثمان نقاط تمثل واقع قطاع غزة المدمر بعد خمسة عشر شهرًا من العدوان الإسرائلي عليه، والتقديرات المختلفة للوقت والمبالغ المطلوبة لعمليات الإعمار، ثم تحدث عن الجهات الدولية والإقليمية التي يمكن أن يكون لها دور في إعمار القطاع المنكوب، وهي منظمة المؤتمر الإسلامي، والدول العربية، والدول الأجنبية، والمنظمات الدولية.
لاحقًا تناول الباحث بالتفصيل المحاذير التي قد تشكل عائقًا أمام الجهود التي ستُبذل في سبيل إعمار قطاع غزة، وأخيرًا جاءت توصيات الدراسة.
واقع القطاع المُدمر
يقول الباحث أ.د وليد عبدالحي إنه، استنادًا إلى تقديرات تقارير الأمم المتحدة، فإن 69% من البنية التحتية في قطاع غزة مدمر، وأن إعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية في البنية التحتية يحتاج 3 إلى 5 سنوات، وبتكلفة خمسة مليارات دولار. لكن؛ الأخطر ما جاء في تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية: إعادة الوضع الذي كان قبل الحرب إلى ما كان عليه يمكن أن يتحقق ليس قبل عام 2040.
العدوان الصهيوني دمر 370 ألف وحدة سكنية، منها 79 ألف وحدة بشكل كامل، وأن 68% من المساحات المخصصة للانتاج الزراعي تضررت، وان ما بين 86 إلى 96% من المرافق الزراعية دُمرت. يوجد بحدود 50 مليون طن من الركام، يحتاج خمسة عشر عامًا للتخلص منها، لكن المشكلة أنه لا مساحات كافية في القطاع لاستيعاب هذه الكمية من الركام، ويوجد 37 مليون طن من النفايات المتراكمة، تحتاج لجهود جبارة ووقت طويل للتخلص منها.
من التحديات الكبرى، وفق دراسة عبدالحي، أن عمليات استخراج جثث الضحايا من تحت الركام، عملية محفوفة بالمخاطر، لجهة وجود أجسام غير متفجرة، إذ تُقدر دائرة الأمم المتحدة المتعلقة بالألغام وجود ما لا يقل عن 7.5 ألف طن من الذخائر لم تنفجر.
ويقول الباحث إن العدوان الصهيوني أدى إلى استشهاد أكثر من 46.6 ألف شخص، وإصابة أكثر 110 ألف شخص، ومن المرجح أن تكون الأرقام أعلى من هذا بكثير، وأن جميع المرافق الصحية في القطاع تضررت، لكن الأخطر أن نحو 30 ألف شخص معرضون للإصابة بتغيرات عميقة في نمط حياتهم، ويحتاجون إلى إعادة تأهيل.
يخلص عبدالحي إلى أن القطاع المنكوب يحتاج حوالي 40 مليار دولار لإعادة إعماره وفق تقديرات هيئات أممية، بينما ترى جهات أممية أخرى أن الأمر يحتاج 50 إلى 80 مليار دولار. وفي السياق ذاته فإن استمرار الكيان الصهيوني في وضع العراقيل أمام المساعدات قد يجعل إعادة الإعمار يحتاج 350 سنة.
الداعمون المفترضون
وتناول عبدالحي، بعد ذلك، بالتفصيل الجهات الأربع التي يمكن أن يكون لها دورٌ في إعادة إعمار قطاع غزة المنكوب. يبدأها بمنظمة المؤتمر الإسلامي، فيقول إن هذه المنظمة تعد ثاني أكبر منظمة دولية من حيث عدد أعضائها، إذ يبلغ عدد المنضوين تحت رايتها 58 دولة، وكانت قد اتخذت قرارًا عام 2018 في مؤتمر لها عُقد في تركيا أسسًا تنظيمية للتعاون بين جمعيات الهلال الأحمر الإسلامية وجمعيات الصليب الأحمر لتقديم المساعدات الإنسانية، وهو ما قد يشكل أساسًا لتفعيل هذا لتقديم الدعم لغزة.
منظمة المؤتمر الإسلامي تتمتع بميزات نسبية، تجعلها، إذا خلصت النوايا والتوجهات، قادرة على القيام بدور كبير في عمليات إعادة إعمار غزة، فالناتج المحلي الإجمالي لمجموع دوله لعام 2023 يبلغ بحدود 8.8 تريليون، وهذا يعني أن إعادة إعمار قطاع غزة يمثل 0.5% من الناتج المحلي لمجموع دول هذه المنظمة، وإذا قسمنا مبلغ الـ 50 مليون التي يحتاجها القطاع لإعادة إعماره على ثلاث سنوات، فإن الصورة تبدو عملية، وقابلة للتنفيذ بيسر.
وأشار الباحث إلى أهمية اتساق مساعدات الدول الإسلامية مع اتجاهات المساعدات الدولية، لكن هذا لا ينفي أن المهمة الرئيسية في عمليات إعادة إعمار غزة ينبغي أن تضطلع بها الدول العربية والإسلامية. وفي هذا الاطار، من الضروري الالتفات إلى هيئات الوقف الإسلامي في دول منظمة التعاون الإسلامي، ويشير تقرير علمي مفصل إلى أنّ أصول هذه الهيئات تصل إلى نحو 105 مليارات دولار، وأن لها مئات المشروعات في الدول الإسلامية وخارجها، مما يجعلها جهة قادرة على الدعم كثيراً من هذه الأموال والمشاريع لإعمار غزة، كما يمكن للبنوك الإسلامية أن تُسهم في جهود إعادة الإعمار. ناهيك عن التبرعات الفردية، التي يمكن تنفيذها عبر هيئات ومنظمات محلية في كل بلد على حدة.
أما بخصوص الدول العربية، وعددها 22 دولة، فإن إجمالي الناتج المحلي العربي إلى نحو 3.44 تريليون دولار، فإذا اعتمدنا رقم 50 مليار دولار لحاجة غزة، فان ذلك يمثل 1.5% من إجمالي الناتج المحلي، فإذا تمّ توزيع ذلك على ثلاثة أعوام فهذا يعني أن المطلوب هو ما نسبته 0.5% من إجمالي الناتج المحلي سنوياً
من جانب آخر، فإن الهيئات الخاصة والجمعيات الخيرية العربية تسهم بشكل واضح في الدعم والمساعدات، وهو ما يتضح في دور بعض الصناديق الخيرية وبعض البنوك في الدول العربية. وتدل بعض استطلاعات الرأي على عينات من المجتمع العربي أن 87% من العرب مستعدون لتقديم التبرعات خصوصاً في شهر رمضان للأغراض الخيرية.
بخصوص الدول الأجنبية فقد بلغت قيمة إجمالي المساعدات الدولية لسنة 2023 في أرجاء العالم ما يساوي 223.7 مليار دولار، وقد تتراجع هذه النسب بسبب التوجهات البراجماتية التي يتبناها الرئيس الأمريكي ترامب تجاه المساعدات خصوصاً للدول النامية، لكنّ عدداً من الدول غير العربية وغير الإسلامية أعلنت عن استعدادها لدعم الإعمار في غزة تلبية لدعوة الأمم المتحدة على لسان أمينها العام على ضرورة الإعمار السريع.
تلعب الهيئات الدولية المختلفة دورًا في مساعدة الدول والمجتمعات التي تعاني من الحروب أو المجاعات أو الكوارث الطبيعية، وهذه قد تلعب دورًا في إعادة غعمار قطاع غزة، لكن ينبغي تذكيل العقبات الأمنية واللوجستية التي قد يصنعها الاحتلال، أو ما قد تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية من قيود على هذه المنظمات لمنعها من القيام بدورها الإنساني.
من المتوقع ان تواجه عمليات إعادة إعمار قطاع غزة معيقات كثيرة، من ابرزها الاشتراطات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي قد تضعها بعض الجهات. يشار أن هذه قضية المساعدات المشروطة أثارت في غير مرة جدالًا واسعًا، فهناك من يرى أنها لم تحقق نتائج مرجوة، بل أثرت على الاستقرار الدولي، بينما هناك من يتحفظ على هذه المسألة.
إنّ الربط بين التوجهات السياسية وبين نمط العلاقة بين الجهة المتبرعة وبين الجهة المتلقية للتبرع أمر في غاية الأهمية، فالملاحظ أنّ التبرعات تعد أداة للتغلغل في المجتمع الآخر من خلال النخب، أو الهيئات المدنية، أو الأقليات والطوائف والحكام، أو المجتمع ككل.
يشير التاريخ أن الدول الأكثر عداءً مع الفلسطينيين مثل أمريكا وأوروبا هي الأكثر تقديمًا للمساعدات، بينما الدول الأقل خصومة هي الأقل تقديمًا للمساعدات، مثل الصين وروسيا، وهذه مفارقة. لكن بالتأكيد فإن معظم المساعدات الغربية مشروطة، فباستثناء بعض المساعدات من دول شمال أوروبا، فإن معظم المساعدات تححصل الدول الداعمة على مقابل سياسي لمعوناتها.
يستدعي هذا من "المقاومة" أن تحاول التركيز في التواصل مع الجهات الداعمة على الدول الأقل عداء لأنها ستكون أقل اشتراطاً، ثم لا بدّ من الاعتماد على القطاعات غير الحكومية وخصوصاً الهيئات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة. وعلى المقاومة أن تستفيد من الصورة السلبية لـ”إسرائيل” التي تكرست لدى قطاعات واسعة من المجتمع الدولي.
التوصيات
تشير المعطيات السابقة إلى أنّ حجم الأضرار والوضع الاقتصادي في قطاع غزة يستوجب سرعة المبادرة إلى:
1. مطالبة المنظمات الدولية وخصوصاً هيئات الإغاثة وصناديق التنمية في الدول العربية والإسلامية للاجتماع لبحث اسراتيجياتها في مساعدة غزة على تجاوز آثار العدوان، وقد سبق وأن نبَّهنا لهذا الموضوع خلال الحرب.
2. اعتبار الهيئات والتنظيمات الشعبية في الدول العربية والإسلامية مصدرًا لا بدّ من التواصل العاجل معها للإسهام في جمع كافة أشكال المساعدات لغزة.
3. مطالبة وسائل الإعلام العربية والإسلامية لتخصيص برامج للحض على تقديم المساعدات لغزة.
4. نظراً لاحتمال سعي أطراف معينة (عربية وغير عربية) إلى إيجاد إشكال إجرائي حول الجهات التي يوكل لها تسلم التبرعات والمساعدات، بخاصة بسبب العلاقة بين السلطة الفلسطينية والمقاومة، فإننا نقترح على المقاومة أن تطرح فكرة أن تتولى وكالة الأونروا تسلم المساعدات وإدارتها، أو أن تتعاون الوكالة مع هيئات دولية من ممثلي المجتمع المدني الفلسطيني أو من هيئات دولية مختارة بعناية.
ويُسهم هذا الإجراء في:
* عدم توظيف تنازع الاختصاص بين الإدارة المحلية في غزة والسلطة الفلسطينية لتعطيل الشروع في تقديم المساعدات، وهو هدف إسرائيلي مؤكد.
* تكريس فكرة تثبيت مكانة وكالة الأونروا التي تسعى الديبلوماسية الإسرائيلية لتقويضها خصوصاً في ظلّ التوجهات السلبية للرئيس الأمريكي ترامب تجاه هذه الوكالة.
* العمل على إبداء أقصى درجات الشفافية في إدارة المرافق والأموال التي يمسّها مشروع الإعمار.