الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حتى نلتقي كلام ما بعد السياسة


    كنت أود الكتابة في السياسة، سوى أن السياسيين في بلادي أكثر من الشعب، وودت الكتابة عن الوطن فوجدت الوطنيين في بلادي يخونون الشعب، وودت الكتابة عن الشيوخ والإسلاميين فوجدت أن أدعو إلى
    ربك المقصود بها لديهم فقط الكفار وليسوا أهل العقيدة والإسلام.
    وودت الحديث عن الشعب فوجدته قد سافر إلى الغربة الحقيقية المؤقتة أو المزيفة في العالم الافتراضي، بين وسائط التواصل وشاشات الحلم الكبيرة.
    ثم توقفت عن السؤال لسبب بسيط من أنا؟ أمن الشعب أم من الوطنيين أم الإسلاميين ؟ من أنا ليس سؤالًا عاديًا، ومن أنت؟ أيها القارىء الذي بالكاد يشغلك ما أكتب، وربما تشعر بالخجل حتى من استلام رسالاتي الصباحية يوم الجمعة، أو مساء الخميس، هل نصبني أحد لأحكم بينكم، أم من أعطاني وقل فوضني لأطرح عليكم أفكارًا ربما تافهة وربما مهمة، وبين هذا وذاك تستمر الأسئلة وأعلاها من نحن؟
    نحن شعب يحب التغني بالديمقراطية إن كانت في صالحه، ونعشق الديكتاتورية طالما يجلس على رأسها من يشبهنا، رئيسًا حاكما مطلقًا خلف ابتسامته أجهزة قمع وتعذيب ويضيف للقب عائلته، قبيلته ودولته كلمة ديمقراطية.
    ولذلك نحن نقترب غالبًا من سياسة النفاق الكبرى التي فيها يتجلى عُريُنا الفكري قبل السياسي، واكبر دليل على ذلك نحن الفئة القليلة من ابناء الشعب الفلسطيني الذين بقينا هنا على أرضنا، لا أدري يومها أبقي أهلُنا حظًا أم أن الظروف هي التي أبقتهم، فلا نختلف عمن طردوا وهجروا سوى بالحظ، لا أدري لماذا لم نتقن بعد سياسة الاختلاف، نحن نسخة فريدة في قصر النظر وبعد النظر، نحمل الضدين معًا، فلا نفقه إلا سياسة التفريق، وليصمت كل من يحاول اتهام الدولة في هذا، ليس دفاعًا بل لأن الحقيقة مرة كالعلقم،فمن السهل إتهام الاخر وترك هوى نفوسنا يقمع ويطعن في داخلنا.
    آه يا وطن الرياء الكبير
    آهٍ يا شعبًا يتغنى بالحب ويعشق الكره
    آهٍ يا من يصدح بالتسامح ويخبئ السلاح تحت مخدته لشعبه وأهله،
    آهٍ أيها الجرح النازف الذي لا تجد من يقطبك وحولك كل شيء سوى الرغبة في التحرك،
    آه يا وطن يصبح الحليم فيه حيران، حين يصبح القائد بابا ينادي بصكوك الغفران، وصكوك الطريق إلى الجنة فقط من هنا.
    لذلك لن أكتب عن هؤلاء ولا عن أولئك ولا عن نفسي، ولا في السياسة كي لا يفهم الوطني والإسلامي بالخطأ أني أعنيه فيبدأ في تحليل كلماتي وهلوساتي إن شئت، سابحث عن مكان أخر للكتابة عن الطقس الخريفي، عن أشجار الزيتون التي في خضم الصراعات السياسية بقيت بعيدًا هنا تراقب وتنتظر منا بفارغ الصبر قطف حباتها التي أسودت بلون المسك، حريرية الملمس تبدو من بعيد كأجمل عقد من العقيق الأسود.
    الزيتون في بلادي لا يفهم بالسياسة هو من يعشق الأرض فلذلك جذوره تمتد داخلها بحنان، دون صراع، الزيتونة لا تسأل عن جنسية الساقي، ولكنها تدرك أن من يحب زيتها لا يكفي أن يسقيها فقط، عليه أن يَذُبَ عنها كل الحشرات ويهتم بها، آهٍ يا زيتون بلادي أخاف عليك أن تدخل عالم السياسة فيتهمك الوطنيون أن زيتك مستوردًا وأفكارك رجعية، وأغصانك في نظر الحاكم ثائرة بما أنه يستظل بها المعارضون، أيها الزيتون احذر أن تقترب من عالم الوطنيون حتى لا يتهمونك بسرقة البلاد وتسليم زيتك لمطبخ السلطان، وقد يأتي مفكرٌ فيدعي ذلك فيقتلعك من أرضك بحجة أنك روميٌ أو صوريٌ، لذلك أنا ناصح لك أمين.
    وحتى نلتقي، الزيتون يبقى وطنًا لأننا هاجرنا وبقي، لأننا جوعى فيطعمنا، الزيتون وطن لا يهاجر ولا يسافر، ويسكن السفوح ولا يخاف برد الشتاء ولا حرارة الصيف، الزيتون أطول عمرًا وأقوى شكيمةً من كل أولئك الذين يعتقدون أنهم على حق والأخرون لا يفقهون الطريق، الزيتون لا يخاف أن يسميه البعض روميٌ، فزيته يشهد على هويته رُغم أنف المتفلسفين، فهيا بنا لنغرس زيتون.





    [04-11-2022 11:57 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع