الرئيسية صوتنا

شارك من خلال الواتس اب
    بين "الغفرانين" 49 عامًا من الآلام!

    أحداث اليوم -
    محمد أبوعريضة
    مرت تسعة وأربعون عامًا عجاف منذ تلك الظهيرة البديعة ... مرت عليَّ، وعلى أبناء جيلي ثقيلة كثيرة الهَمّ والغَمّ، صحيح أنها لم تخلوُ من لحظات تجلٍ، لكنها كانت لحظاتٌ جدُّ عزيزة.
    كنا نغني مع نجاة الصغيرة:
    الدم الثائر يفديك إذا ناديت هيّا
    نطلب المجد ونطوى عاديات الدهر طيّا
    نحن شعبٌ طامح قد عاش فى الدنيا أبيّا
    قد أراد المجد أن يحيا كما شاء قويا
    كنت في الثانية عشرة من عمري، وكنت، كما غيري من الأتراب، نتلمس طريقنا نحو اليقين بعد هزيمة نكراء عشناها، وفتنة طاولتنا جميعًا، ذقنا آلامها، وإذ بالمؤذن يؤذن في الثانية بعد ظهر السادس من تشرين الأول أن هلمّوا إلى الصلاة. لكنّ الوقت ليس حين الآذان، فمن الذي أخطأ وعبث ببندول ساعاتنا.
    كان العسكريون المصريون والسوريون قد حددوا ساعة الصفر بعناية فائقة، فاليوم عيد الغفران اليهودي، وفيه يتوه اليهود داخل خرافاتهم، وحددوا الساعة الثانية بعد الظهر لإطلاق الرصاصة الأولى، ففيها تكون الشمس قد مالت قليلًا إلى الغرب، وهو ما يناسب الجندي المصري المتأهب لاجتياز مخاضة قناة السويس، واقتحام خط بارليف، ويكون فيها الجندي السوري قادرًا على الإمساك بطريق العودة إلى مياه طبريا.
    ما بين عيد الغفران اليهودي عام 1973، الذي تمرغ فيه أنف الصهاينة، ويوم الغفران عام 2022، مر تحت الجسر مياه كثيرة، ألقت معها بعيدًا انتصارنا في رمضان، وأحلامنا وكرامتنا وتاريخنا، وكل شيء جميل خبأناه بـ"برموش أعيننا".
    السياسة، والحسابات الصغيرة، ومقولة أن 95% من أوراق اللعبة بيد أمريكا، والصراعات الثانوية، واللعب على حبال السيرك، والانفتاح، كل ذلك وأشياء أخرى، أفسد انتصارنا في حرب رمضان عام 1973. فالجيش الذي لا يُقهر، كما كانوا يطلقون على جيش الاحتلال الصهيوني، يفر من مواقعه في سيناء وفي الجولان، فتسقط التحصينات واحدة تلو الأخرى. والجيشان المصري والسوري، وجيوش عربية أخرى على رأسها الجيش العربي الأردني التي انضمت للمعركة، تحقق انتصارًا ساحقًا خلال الأيام الأولى من القتال. ولولا "تكتيكات" السادات، وانحيازه إلى فكرة المعركة "التحريكية"، واقتناعه أن أمريكا هي التي ستحيل مصر إلى سويسرا الشرق، وحسابات أخرى لتغير وجه التاريخ، ولما عشنا اليوم عربدة الصهاينة في باحات المسجد الأقصى، و"العرب" نيام، كأن على رأسهم الطير.
    ما أن انقشع "الغَمام" عن جيش الاحتلال المنهزم في الأيام الأولى للمعركة، حتى أخذت موازين القوى تميل لصالح العدو. فأمريكا أرسلت وزير خارجيتها هنري كيسنجر إلى المنطقة، ومعه وصلت أسراب من الطائرات المقاتلة، وأخرى شحنت الدبابات وصنوف الأسلحة والعتاد، وإذا بألعاب كسينجر، وخيارات السادات، التي أوقفت الجيش المصري بعيدًا عن المضائق، تسمح للكيان الصهيوني بتحويل جزءًا من قواته إلى الجبهة السورية، فيتراجع الجيش السوري. لكن أخطر متغير قلب موازين القوى في المعركة هو "ثغرة الدفرسوار" بين الجيشين الأول والثاني على الجبهة المصرية، وما تبع ذلك من تنازلات، لم تبدأ باتفاقات فك الاشتباك، واتفاق الكيو 101، ومن ثم اتفاقية كمب ديفيد، مرورًا باتفاقيتي "أوسوا" و"وادي عربة"، ولم تنتهي بالتطبيع العربي المجاني.
    ما بين عيد الغفران اليهودي عام 1973، وعيد الغفران عام 2022، تسع وأربعون عامًا من "الثغرات" والانكسارات والهزائم والإهانات والعثرات، لكنّ؛ هل استسلمنا، ورفعنا الرايات البيض، واعترفنا بهزيمتنا؟
    أنا أعتقد أن قدرتنا الدائمة على رفض الهزيمة، ورفض الاعتراف بها، وولادة أجيال ثائرة تلو الأخرى، يؤكد أننا أمة لن تهزم، حتى وإن خسرنا معارك كثيرة. فنحن، قطعًا، لن نخرج من التاريخ، كما يردد بعض المتحذلقين.





    [06-10-2022 01:18 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع