الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حتى نلتقي - طيور

    هذه القشيبة الخضراء، تبهج النفس تعطي الأمل، خصوصًا تلك السهول الممتدة حتى الأفق، تعانق السماء بزرقتها فتحدث في النفس شوقًا للقاء، وسعادة تنتظر بزوغ الفجر لتحلق كطائر الليل الذي ينتظر الصباح ليفرد جناحيه ويحلق عاليًا، آه ما أجمل الأرض بعيني طائر كل شيء مختلف، من هناك يمكنك أن ترى البحر والنهر، من هناك في الأعلى يمكنك أن ترى بداية الكثبان الرملية والجبال الخضراء في الشمال، من هناك يمكنك أن ترى كل شيء جميل لأنك لا ترى التفاصيل الدقيقة.

    ليس من الإنصاف أن لا يرى الطائر هذا الجمال وهو يبحث عن صيدٍ أو طعام يومه، كيف لا يرى هدوء الليل وسكون الهضاب وحفيف الشجر إذا هبت نسائم البحر، الطيور المهاجرة تلك التي تعرف التضاريس، هي التي ترى الجمال، الطيور المقيمة قلما رأت جمال البحر والشجر والجبل والسهل والوادي، مشغولة هي لأن الصياد يبحث عن أعشاشها، يطلق عليها النار، يحرث أرضها، وفوق ذلك كله يحاول منعها من الطيران فهو يقتنصها حتى في طيرانها.

    أجمل ما في الطيور أنها لا تحتاج جواز سفر ولا تعترف بحدود البشر، فإذا قررت الطيران فهي تحلق أسرابًا أو فرادى، تنتقى موقع الهبوط والإقلاع تصغي لقائد السرب، تغير المسار ليس لرغبة أحد سوى رغبة السرب في الوصول بأمان، قد تتشكل في سربها باشكال مختلفة كي تأمن الأعداء أو لتلهو قليلًا ولكنها لا تنسى التحليق نحو الأمام، قد يكون موسم الهجرة إلى الشمال وقد يكون موسم الهجرة إلى الجنوب، ولكنها لا تتوقف عن التحليق حتى ولو حاولت النسور والصقور منعها لا تخاف، فسقوط البعض يعني نجاة السرب واستمرار الحياة.

    لا ادري أي الطيور تحب بلادي تلك المهاجرة أم المقيمة، سوى أن نوعًا أخر هو الذي يقلقني، تلك الطيور التي أُسكنت الأقفاص، تلك التي لم تعد تعرف لون السماء ولا زرقة البحر ولا ربيع السهل، تلك التي تغرد حزنًا ولم تعد تحلم بالتحليق خارج القفص، فقد منع الخوف جناحيها من صفق الهواء.

    آه ما اشبهنا بهذه الطيور، التي صنعت لنفسها اقفاصًا مزيفة من الحرية ثم تتباهى بلون القفص وهي تدرك أنها إذا حاولت الطيران لن تستطيع فحريتها تبدأ وتنتهي بحجم القفص الصغير، وكما قال جبران تستطيع أن تفرد جناحيها ولكنها لا تستطيع التحليق.

    وحتى نلتقي، اسألوا أنفسكم هل تستطيعون التحليق، أم أن أقفاصًا صنعناها بأيدينا تمنعنا، ولماذا إذًا لا نفتح الباب؟ أهو خوفٌ من التحليق أم فقدنا القدرة على رؤية الأرض من السماء؟ أم لم نعد نملك القدرة على التوجيه في زمن البوصلة الحمقاء، الطيور التي تختار أن تبقى في القفص ستبيض وتعشش بأمان ولكنها ستبقى في القفص، أما تلك التي تحلق في السماء سترى الحقيقة بعين طائر يأبى ألا أن يكون حرًا ينام على غصن شجرة يغرد بفرح ويرفض الحدود ويوقظ الشمس كل صباح.





    [11-02-2022 12:51 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع