الرئيسية
مقالات واراء
كما كان متوقعا، تمكن بنیامین نتنیاھو من الفوز بالانتخابات الإسرائیلیة معززا قبضة الیمین الإسرائیلي على مفاصل القرار وبخاصة فیما یتعلق بالسیاسة الخارجیة. بطبیعة الحال، لم تكن الانتخابات استفتاء على عملیة السلام وإنما كانت استفتاء على شخصیة نتنیاھو الذي تراه أكثریة في الوسط الیھودي بأنه الأنسب لھذا المنصب بصرف النظر عن فضائح الفساد التي طالته في الفترة الأخیرة.
الملاحظة الأبرز على ھذه الانتخابات تتمحور حول حقیقة أن الانتخابات – كسابقتھا – لم تفرز تحالفا لصنع السلام وانما افرزت تركیبة ستفرض ائتلافا حكومیا یمثل مصالح الاحتلال والاستیطان. وعلیه، فإنه لا یمكن الرھان على ھذه الانتخابات التي دفنت عملیة السلام وبخاصة مع الزھو الذي یشعر به الیمین الإسرائیلي الذي یشعر بانه ینتصر على كل وجھات النظر التي كانت تطالب بالانسحاب من الضفة الغربیة لقاء عملیة سلام.
ھذه الانتخابات دفنت حل الدولتین، فالظروف السائدة والحقائق على الأرض لا یمكن أن تسمح بإقامة دولة فلسطینیة قابلة للحیاة عاصمتھا القدس الشرقیة. وحتى لو فاز بني غانتس فإن دینامیكیة القوة في المجتمع الإسرائیلي لا تسمح أبدا بتنفیذ حل الدولتین، والحق أنه لا یوجد شریك إسرائیلي حقیقي راغب وقادر، وكل ما نسمعه من معسكر "السلام" في إسرائیل یثبت بأنه معسكر منفصل عن واقع المجتمع الإسرائیلي المجند تماما لخدمة المشروع الصھیوني القائم على التوسع والاحلال.
لیس واضحا لغایة ھذه اللحظة إن كانت الإدارة الأمیركیة ستطرح خطتھا المنتظرة لتحقیق السلام، والحق إن إسرائیل لا تحتاج لخطة صفقة القرن لأنھا تحصل على تنازلات أمیركیة وتقوم بفرض حقائق على أرض الواقع دون أن یطلب منھا أي شيء مقابل ذلك. وھناك من یرى بأن الجانب الإسرائیلي لیس مھتما بصفقة القرن لأنھا قد تحرج نتنیاھو مع الشركاء في الائتلاف الحكومي
وبخاصة مع الیمین المتطرف الذي لا یرید أن یقدم أي تنازل حتى لو كان شكلیا للجانب الفلسطیني. اللافت فیما یجري في الإقلیم أن ھناك قوى دولیة وربما إقلیمیة ساعدت نتنیاھو شخصیا في ھذه الانتخابات، فالھدایا التي قدمھا كل من ترامب وبوتین ساعدت نتنیاھو في انتخابات كان سیخسرھا، وھذه ربما المرة الأولى التي یتدخل بھا العالم الخارجي بھذه القوة في الانتخابات لدعم أحد المرشحین، لا نعرف لغایة ھذه اللحظة ماذا حصل داعمو نتنیاھو بالمقابل، ربما ستكشف لنا الأیام عن أمر مخفي!
وحتى نكون أكثر وضوحا، یشكل انتخاب نتنیاھو ضربة قویة لآمال داعمي عملیة السلام القائم على حل الدولتین، وعلیه ربما یتعین
على دول مثل الأردن التفكیر ملیا في عواقب فشل مقاربة حل الدولتین وكیف یمكن التعامل معھا بشكل على الأقل یدفع عنھا
الأذى. وفي السیاق ذاته سیعاني الطرف الفلسطیني المنقسم على ذاته من الحكومة الإسرائیلیة القادمة التي ستعمل بغطاء أمیركي وبقلیل من المعارضة الإسرائیلیة. على عباس تقع مسؤولیة صیاغة موقف فلسطیني یأخذ بعین الاعتبار أن إسرائیل لا تراھم إلا عائقا في الاستراتیجیة الإسرائیلیة للتقارب مع بعض الأنظمة العربیة.
من المبكر الحكم على المدة التي ستستمر بھا الحكومة الإسرائیلیة في السلطة، فتاریخ الحكومات متقلب والائتلاف الحاكم المنتظر سیكون على قاعدة غیر صلبة (إلا إذا شكل نتنیاھو حكومة وحدة مع بني غانتس)، لكن یبدو أننا سنعیش لفترة معقولة مع رئیس وزراء إسرائیلي مراوغ ولا یھتم بشيء سوى البقاء السیاسي، لھذا یطرح ھو مقاربة ضم الكتل الاستیطانیة مقابل الحصانة!
ضم الكتل الاستیطانیة یعني أمرا واحدا وھو أنھ لن یكون في قادم الأیام أي شریك إسرائیلي ممكن أن یقبل بغیر الانفصال عن
الفلسطینیین، وما یتطلبه في مثل ھذه التصور، وھنا یكمن الخطر على الأردن.



