الرئيسية أحداث دولية

شارك من خلال الواتس اب
    صفقات التسلّح .. تركيا الخاسر الأكبر وإسرائيل الرابح الأكبر!

    أحداث اليوم -

    بينما تتركّز الأنظار اليوم على فحوى محادثات الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين مع وليّ وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان الذي قرّر اختيار موسكو كوجهةٍ لأوّلِ زيارةٍ رسميّةٍ يقوم بها في ظلّ الجدل المتواصل حول صفقات الخمسمئةِ مليارِ دولارٍ التي أبرمتها المملكة العربيّة السعوديّة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة أثناء وجود الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي في الرياض، فإنّ المخاوف التي أُثيرت على مدى الأيّام القليلة الماضية بخصوص إمكانيّة تأثير تلك الصفقات، بشكلٍ سلبيٍّ، على إيقاع العلاقات الروسيّة – السعوديّة الآخذِ بالتفاعل، بشكلٍ إيجابيٍّ، تكون بذلك قد تبدَّدت، ولا سيّما أنّ التسريبات الصحافيّة التي مهَّدت في وقتٍ متأخِّرٍ من مساء أمس الاثنين للإعلان عن زيارة بن سلمان، قبل أن يُصار إلى تأكيدها رسميًّا صباح اليوم، كانت قد تضمّنت إشارةً واضحةً إلى أنّ الجانبين يعتزمان التوقيع على أربعةِ بروتوكولاتٍ للتعاون في المجالات الاقتصاديّة، إضافةً إلى مناقشة الأوضاع في سوريا وغيرها من دول الإقليم الملتهبة بالطبع.


    لا شكّ في أنّ الخطوة المفاجئة التي أقدمت عليها السعوديّة لدى قيامها بإلغاء ما وُصِف بأنّه "أضخم صفقةِ سلاحٍ مع تركيا" في أعقاب توقيعها على "الصفقات الأضخم" مع الولايات المتّحدة، كان لها بالغ الأثر في رفع نسبة الهواجس حيال احتمالات تكرار السيناريو نفسه مع روسيا، علمًا أنّ الجانبين الروسيّ والسعوديّ، وعلى رغم اختلافاتهما الجذريّة حول سبل تسوية ملفّ الأزمة السوريّة، بقيا يتعاملان مع بعضهما البعض في نهاية المطاف على أساس قناعتهما المشتركة بأنّهما "خصمان شريفان"، الأمر الذي يتأكّد بوضوحٍ إذا ما أعدنا إلى الذكرة أنّ وليّ وليّ العهد السعوديّ كان قد التقى مع الرئيس بوتين في كلٍّ من سوتشي وسان بطرسبوغ في عزِّ اشتداد تلك الاختلافات وتعمّقها عام 2015، علاوةً على أنّ رئيسة الغرفة العليا للبرلمان الروسيّ فالانتينا ماتفيينكو، وهي ثالث أرفع مسؤولٍ رسميٍّ في روسيا، كانت قد زارت الرياض في شهر نيسان الماضي وأجرت على مدى ثلاثةِ أيّامٍ مباحثاتٍ مع العاهل السعوديّ الملك سلمان بن عبد العزيز وعددٍ آخر من كبار المسؤولين في المملكة، ناهيك عن أنّ الرئيس بوتين نفسه لم يتوقَّف يومًا عن إرسال الإشارة الإيجابيّة تلو الأخرى حول رغبة بلاده في حفظ مصالح السعوديّين ومكانتهم ودورهم على الساحتين الدوليّة والإقليميّة، سواءٌ من خلال مؤتمر أستانة الذي أدّى إلى تكريس روسيا وإيران وتركيا باعتبارها الدول الضامنة لتسوية الأزمة السوريّة أم من خلال العلاقات الثنائيّة المباشِرة بين موسكو والرياض.

    على هذا الأساس، يُصبح في الإمكان التكهُّن بأنّ أسباب إلغاء صفقة التسلُّح السعوديّة – التركيّة، لصالح الصفقة السعوديّة – الأميركيّة، لا يُمكن إسقاطها بأيّ شكلٍ من الأشكال على واقع حال العلاقات الروسيّة – السعوديّة في الوقت الراهن، وخصوصًا إذا وضعنا في الحسبان، بالإضافة إلى كلّ ما تقدَّم، أنّ المعطيات المتوافرة حاليًّا حول توجُّهات السياسة الخارجيّة السعوديّة في أعقاب انتهاء قمم الرياض الثلاث الأسبوع الماضي، لا تعني بالضرورة أنّ المسؤولين السعوديّين لم يفكِّروا بـ "خطّ الرجعة" إذا ما صدقت التوقّعات القائلة بأنّ الرئيس ترامب، الانتحاريّ أصلًا، لن يُقدَّر له أن يكمل سنوات عهده في البيت الأبيض، الأمر الذي لا بدّ من أن يجعل روسيا في المحصّلة النهائيّة أفضل صمّامِ أمانٍ للمملكة، سواءٌ على الساحة الإقليميّة أم على الساحة الدوليّة، إذا ما اتّجهت الأمور صوب التفجير المرتقَب بالفعل.

    من هنا، وعلى رغم أنّ إلغاء صفقة التسلُّح بين الرياض وأنقرة أدّت إلى تكبيد صناعة السفن التركيّة خسائرَ ماليّةٍ وصلت قيمتها إلى نحو ملياريْ دولارٍ أميركيٍّ، بحسب ما ذكرته صحيفة "حرييت" نهار أمس الاثنين، فإنّ إمكانيّة احتواء أيّ تداعياتٍ محتملةٍ لهذه الخطوة لا بدّ من أن تصبح متاحةً أكثر لدى الجانب السعوديّ في ظلّ وجود صمّام الأمان الروسيّ المذكور، الأمر الذي لا يختلف اثنان من العاقلين على أنّه ينطبق أيضًا، ولكن في ملفٍّ آخَر، على أيّ تداعياتٍ محتملةٍ للتصعيد السعوديّ الممنهج الذي اتّخذ منحى خطيرًا في الآونة الأخيرة ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وخصوصًا إذا ما تراجع "الحليف الأميركيّ" عن تعهداته بشأن حماية أمن المملكة لأيّ سببٍ من الأسباب.

    وإذا كان ما تقدّم كافيًا للدلالة على أنّ تركيا أوشكت على أن تصبح الخاسِر الأكبر في المعادلة الشرق أوسطيّة التي تتشكّل للتوّ، وفقًا لما تشي به مؤشِّرات إلغاء الصفقة السعوديّة معها، فإنّ أكثر ما يبدو واضحًا في موازاة ذلك هو أنّ إسرائيل أوشكت على أن تصبح الرابح الأكبر، ولا سيّما بعدما كُشِف النقاب قبل يومين عن أنّ لتلّ أبيب حصّةً وازنةً في مردودات صفقة التسلُّح التي أُبرمت مؤخَّرًا بين واشنطن والرياض، وذلك نظرًا لأنّ المصانع العسكريّة الأميركيّة التي ستزوِّد المملكة بالأسلحة المطلوبة متعاقدةٌ أصلًا مع عدّة شركاتٍ إسرائيليّةٍ متخصِّصة في هذا المجال، الأمر الذي يُتوقّع أن يؤدّي إلى إحداث طفرةٍ في أعمال تلك الشركات، وبالتالي إلى توسيع نطاق مشاريعها بسبب حجم الطلبات الهائل الذي يجب توفيره في الوقت المحدَّد، ومن بينها شركة "رافائيل"، بحسب ما ذكرته صحيفة "ذا باركر" نهار أوّل من أمس الأحد.

    هذا الكلام، وعلى رغم حدّة طعمه المرّ في المذاق العربيّ، فإنّ النظر إلى النصف الملآن من كأس الصفقة السعوديّة – الأميركيّة الأخيرة، على إيقاعه، لا بدّ من أن يؤدّي بشكلٍ تلقائيٍّ إلى ترسيخ القناعة حول ضرورة وجود روسيا على الساحتين الإقليميّة والدوليّة باعتبارها صمّام الأمان المذكور أكثر من أيّ وقتٍ مضى.. وأغلب الظنّ أنّ زيارة وليّ وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان الحاليّة لموسكو تندرج في سياق التأكيد على ذلك.. والخير دائمًا من وراء القصد!





    [30-05-2017 02:07 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع