الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    عن "كتاب الداعشيات" والمعاناة

    وقّعنا أنا والصديق حسن أبو هنية مساء أمس كتابنا الجديد "عاشقات الشهادة؛ تشكلات الجهادية النسوية من القاعدة إلى الدولة الإسلامية"، وهو من إصدار مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية، التي قامت مشكورة بتبنّي أغلب إصداراتنا إلى الآن عن الإسلام السياسي، بالإضافة إلى عقد مؤتمرات إقليمية سنوية متخصصة.
    تحدّث بالاحتفال الزميلة د. ابتسام عطيات، وهي باحثة متخصصة في علم الاجتماع والنسويات، وأدارت الندوة د. نيفين بندقجي، بالإضافة إلى السياسي المثقف عبد الإله الخطيب، وزير الخارجية الأسبق.
    لن أتحدث عن الكتاب وفصوله، في هذا المقال القصير (إذ سنخصص له مقالاً مطولاً)، لكن ما أود مشاركتكم فيه هنا، هو "عناء البحث العلمي" في بلادنا العربية، والأردن بصورة خاصة، بخاصة عندما نتطرق إلى موضوعات ذات أبعاد سياسية ومجتمعية وثقافية حيّة كتنظيم داعش والتيارات المتشددة، والإسلام السياسي.
    العناء أولاً في الحصول على المعلومة ومصادرها ومظانّها الرئيسة، فعندما بدأنا تجميع المعلومات والبيانات عن النساء المرتبطات بالتنظيم، وجدنا أنفسنا أمام مصادر هشّة وتقارير إعلامية عربية غالباً مصبوغة بالرواية الأمنية، وغير متسقة، ولا واضحة في تفاصيلها ومعلوماتها، أو رواية الجهاديين والداعشيين على الطرف الآخر، قلّما تجد مصدراً محايداً أو موضوعياً في الحدّ الأدنى في الإعلام العربي والأردني يتناول هذه الظاهرة بالرغم من الركام الإعلامي السطحي حول هذه الظاهرة.
    كان الحصول على المعلومات وبناء القصص عملية تحقيق في غاية الصعوبة، تبدأ من الوصول إلى الأسماء، ثم البحث في مواقع التواصل الاجتماعي، والتواصل مع الإعلاميين، والتفتيش الدقيق في دوائر القرابة والصداقة ومحاولة التواصل مع بعضها، وبناء الـPuzzles، حتى تكتمل الصورة، ونفهم: لماذا وكيف أصبحت هذه الفتاة أو المرأة داعشية أو قاعدية!
    ثمة مشقّة كبيرة، وهنالك قصص بقيت فيها حلقات مفقودة، ذكرناها وتناولناها بالتحليل، واستطعنا في الكتاب الوصول إلى قرابة 50 قصة مفصّلة عن نماذج من النساء العربيات والغربيات الداعشيات، لكن الزبدة التي أريد أن أضعها أمامكم أنّ هنالك مشكلة جوهرية وكبيرة وعدم إدراك من قبل المسؤولين والأوساط السياسية العربية لأهمية المعلومة والبحث العلمي في عالمنا العربي، وهنالك إخفاق شديد من قبل الإعلام العربي في إجراء التحقيقات الاستقصائية المطلوبة لفهم هذه الظاهرة ومتابعة القصص الإعلامية، مقارنة بالإعلاميين الأميركيين الذين قدموا تحقيقات استقصائية دقيقة موضوعية مهمة، ومراكز الأبحاث التي توفّر قاعدة بيانات الكترونية متاحة.
    للأسف أتحدث عن كتاب الداعشيات ومعضلة الحصول على المعلومة وتجاهل البحث العلمي، وأنا أعمل مع فريق في مركز الدراسات الاستراتيجية على بناء قاعدة بيانات عن الجهاديين الأردنيين، سواء في الخارج أو المرتبطين بقضايا في الداخل، وربما هذه رابع مرّة أكتب عن هذه المعاناة، لكن من دون فائدة، فالمؤسسات الرسمية تحجب هذه المعلومات بصورة كاملة، وكأنّ البحث العملي جهد عدائي أو ثانوي، بالرغم من أنّ "قاعدة البيانات" يمكن أن توفر رؤية عميقة واضحة مهمة لصنّاع القرار والمهتمين عن مناطق انتشار التيار في الأردن، وطرق التجنيد، والأعمار والخلفيات الاجتماعية، والقضايا، والمستوى التعليمي، بدلاً من الركون إلى انطباعات أولية غير علمية ولا مدروسة.
    يرتبط بالمعاناة السابقة معاناة أخرى وهي عدم القدرة على التمييز بين المواقف الأيديولوجية أو السياسية أو حتى الشخصية من جهة، والأبستمولوجي والمنهجية العلمية البحثية من جهة أخرى، لدى السياسيين والنخبة، فهنالك دوماً أحكام جاهزة مغلّفة مسبقة، بينما المنهجية العلمية وحدها هي التي تساعدنا على فهم الظواهر ودراستها وتفكيكها، وصولاً إلى بناء رؤية أكثر واقعية لها ولكيفية التعامل معها.





    [12-04-2017 09:28 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع