الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    مفخخات أردوغان!

    محمد ابورمان
    تتجاوز تصريحات أردوغان الأخيرة (خلال لقاء جماهيري في تركيا- تعليقاً على قرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص تأييد حظر الحجاب في أماكن العمل) إطار العلاقة بين تركيا وهولندا، وألمانيا (وحتى امتداد الأزمة لدول أوربية أخرى) إلى أبعاد رمزية وسياسية وثقافية أعمق دلالة.
    على الأغلب أنّ الرئيس التركي، الذي تحدّث عن قيام أوروبا بإعادة الحروب الصليبية، وعن تحميل قرار المحكمة الأوروبية مسؤولية إطلاق الصراع بين الهلال والصليب، أنّه كان يريد توظيف هذه المشاعر التركية كـ"تكتيك" في معركته القادمة في الاستفتاء على الدستور، ما يحوّل تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي، ويسمح لأردوغان بالاستمرار في السلطة.
    لكن حمولة خطاب أروغان - في اللحظة الراهنة، وفي سياق الأزمة التاريخية الكبرى في المجتمعات العربية والمسلمة- ستكون خطيرة جداً، ولن تقف عند حدود اللعبة الحالية بينه وبين الأوروبيين، فوقع الكلمات سيجد آذاناً صاغية ومتقبلة من قبل شريحة واسعة في المجتمعات العربية، ومن سنّ الشباب، في سياق صعود الجماعات المتشددة دينياً، المرتبطة بداعش وأخواتها، في مختلف المواقع، والقدرة غير المسبوقة لدى هذه الجماعات على التجنيد والتعبئة والحشد، مقارنةً بكل الجماعات المتشددة السابقة.
    المفارقة السافرة هنا تتمثّل في أنّ أردوغان، الذي لم يجد سوى خطاب داعش والقاعدة، القائم على ثيمة صدام الحضارات والأديان، وهو الخطاب نفسه الموازي لمقولات اليمين المتطرف الأميركي والأوربي، المستلهمة من كتاب صموئيل هانتنغتون، هو نفسه – أي أردوغان- الذي كان يقدّم نفسه قبل عقد ونصف تقريباً (لحظة تأسيس حزب العدالة والتنمية التركي، وغداة أحداث 11 سبتمبر 2001)، بوصفه جسر الحوار والتواصل بين الحضارات والثقافات، وتحديداً بين الغرب والشرق.
    كان أردوغان – بالنسبة للأوروبيين أنفسهم- في تلك الفترة بمثابة وجه الإسلام المعتدل المستنير، الذي يؤمن بالديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، والدولة المدنية والعلمانية، ويعمل على موضوع التنمية الاقتصادية والتقارب مع المعايير الأوروبية في حقوق الإنسان.
    بالتأكيد من يرصد خطاب أردوغان ويراقب سلوكه لن يعجز عن إدراك حجم التغير الكبير، الذي حدث له، فقد تغيّر الرجل، حتى ضحّى بأقرب أصدقائه مثل أحمد داوود أوغلو وعبدالله غول، وبدّل في خطابه، لكنّه ليس الوحيد الذي حدث معه ذلك! فأوروبا تغيّرت، والغرب اختلف، وأميركا انتخبت دونالد ترامب، واليمين الأوروبي العنصري الفاشي أصبح رقماً صعباً ومنافساً شرساً في الانتخابات!
    والمفارقة الأخرى أنّ المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركيل، التي كان لها موقف حضاري وأخلاقي وإنساني مشرّف من اللاجئين في ألمانيا، التي تمثّل – ربما- أحد الأصوات الأخيرة في أوربا والغرب، التي تصرّ على الديمقراطية والانفتاح في وجه موجة التعصب والخطاب الهويّاتي، هي نفسها وقعت في مواجهة سياسية وإعلامية مع كل من أردوغان وترامب!
    الرئيس التركي يحظى بشعبية جارفة وكبيرة في العالم العربي والإسلامي، بغض الطرف عما أشرنا إليه من نزوع نحو الفردية والبقاء في السلطة، وخروج عن الخط المهم الذي أسسه حزب العدالة والتنمية في العالم الإسلامي، من فك شيفرة السياسة والعلاقة بين الدين والمجتمع والدولة؛ وإذا اتجه بخطابه تجاه الغرب على نحو شبيه بخطاب الإسلاميين المتطرفين، من مقولات الصدام الديني والحضاري، فإنّ القضاء على داعش في العراق وسورية لن يعني نهاية الراديكالية، فكلمات أردوغان المحدودة وصعود اليمين الديني في الغرب، تداعيات ذلك أخطر من مئات الانتحاريين والمفخخات!





    [21-03-2017 10:27 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع