الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    إقناع الأردنيين بمحاربة الفساد

    بالأرقام، تراجعت للأسف مكانة الأردن عالمياً ضمن مؤشر "مدركات الفساد" للعام 2016، والذي أصدرت نتائجه منظمة "الشفافية الدولية" أمس. إذ احتلت المملكة المركز 57 بين 176 دولة، متراجعة خمس نقاط في هذا العام؛ بإحرازها 48 نقطة من مجموع 100 نقطة، مقارنة مع 53 نقطة حصلنا عليها العام 2015. علماً بأن الأردن، كما تشير معلومات تقرير "الشفافية الدولية"، احتفظ بالمركز الثالث على المستوى العربي هذا العام؛ بعد كل من الإمارات العربية المتحدة، وقطر.
    وتبعا لتفاصيل "المؤشر"، فإن التراجع الحالي في مكانة المملكة لا يعني بالضرورة، عملياً، تطاولاً مباشراً على المال العام، بخلاف الصورة النمطية المتمكنة من أذهان غالبية الأردنيين بشأن الفساد وماهيته في وطننا، وعماد هذه الصورة أن الفساد المالي مستشرٍ بلا حدود، في ظل غياب شبه تام للضوابط الحامية والرادعة!
    الأرقام أيضا تؤكد أن الإنفاق العام من الخزينة، والبالغ حجمه 8.6 مليار دينار، يذهب في أغلبيته إنفاقاً جارياً، يتوجه لسداد الرواتب والتقاعد، وأقساط الدين وخدمته، وذلك بمقدار 7.3 مليار دينار من المجموع السابق. والقصد من تقديم هذه الحقيقة هو القول إن الفساد، وفقا لتفاصيل بنود الإنفاق العام، ليس بالحجم الذي يتصوره عقل الأردني عموماً. لكن، لماذا لم تتغير قناعات الناس حيال حجم الفساد؟
    السبب الأول، أن الدولة عجزت عن محاسبة فاسدين صدرت بحقهم أحكام قضائية. وثانيا، لأن الحديث عن محاربة الفساد مستمر باعتباره موضوعا شعبيا. وعلى سبيل المثال، تحدّث نحو ثلثي النواب تحت القبة مطالبين بمحاربة الفساد.
    مع ذلك، فإن ما سبق لا يعني أن الفساد بات جزءا من الماضي، بل هو سيبقى ظاهرة مستمرة طالما هناك قصور تشريعي وغياب لتطبيق القانون بشكل صارم. إذ للفساد أشكال متعددة، تتمثل بالرشوة والاحتيال وغسل الأموال والابتزاز ودفع الأموال بسرية وبشكل غير قانوني، مقابل خدمات. وكذلك المحسوبية والواسطة والمحاباة، وضغوطات أصحاب النفوذ لتحقيق مكتسبات، وأيضاً استغلال الوظيفة العامة أو الخاصة لتحقيق مصالح شخصية. لا أحد ينكر كم اتسع لدينا سلوك دفع مبالغ لتسريع الحصول على وثائق تتطلب وقتاً بسبب البيروقراطية؛ وكذلك الاختلاس والاعتداء على الأملاك العامة.
    محاصرة الفساد لا تحتاج فقط إلى وقف السرقات المباشرة، بل يتطلب هذا الإنجاز بيئة متكاملة؛ تبدأ من حرية الصحافة وحرية التعبير عموماً، والقضاء المستقل، والتزام رسمي بحق الحصول على المعلومات. إذ ليس سراً أن فتح النوافذ للفساد له ارتباط وثيق بضعف المؤسسات، وغياب سيادة القانون، وانتشار الإفلات من العقاب، وتقييد وقمع الحريات العامة، وإضعاف مؤسسات المجتمع المدني، وغياب الشفافية في المالية العامة. لكن الأخطر هو تكسّر القيم الأخلاقية لدى المجتمع، بحيث يصبح راضيا بالمبدأ المريض أو متعايشا معه. ولعل لذلك ارتباطا وثيقا بقناعة شعبية بتفشي الفساد عند الحكومات. وللأسف، فإن قناعات الناس حيال هذه المشكلة لم تتزحزح، على الرغم من الخطوات الإيجابية المتعددة التي تمت باتجاه التصدي للظاهرة، ومنها تقرير تقييم عمليات الخصخصة كافة، والإشارة إلى ما شاب بعضها من عيوب. وكذلك إنشاء اللجنة الملكية لتقييم العمل ومتابعة الإنجاز لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية. وكل ذلك طبعاً يُضاف إلى وجود هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
    تحسين موقع الأردن في تقارير المؤسسات الأممية يوجب تطبيق الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد، ودعم دور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وخلق بيئة شاملة تحاصر منابع الفساد وترتقي بمستوى وطننا. لكن الأهم من كل ذلك إقناع الأردنيين بأن سياسات محاربة الآفة المدمرة هي فعل وليس قولاً أبداً.





    [26-01-2017 09:14 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع