الرئيسية أحداث منوعة

شارك من خلال الواتس اب
    الأفلام الكرتونية القديمة .. حنين لمحتوى ماض جميل

    أحداث اليوم -

    بين بطل خارق، طفل ذكي، رياضي بارع، أميرة جميلة، فارسة رقيقة؛ يستذكر الشخص طفولة استثنائية، فيها فرح كبير وعبر لا تنسى، شكلتها أفلام رسوم متحركة عُرضت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لتصبح شخصيات تلك الأعمال أنموذجا لطالما أراد أن يغدو الطفل شبيها بها.

    وفي الوقت الذي يجلس فيه الشخص ذاته لمشاهدة التلفزيون بمرافقة طفل من جيل اليوم، لا يمكن إلا أن يلمس ذلك الفرق الشاسع بين المحتوى الترفيهي للأطفال، خاصة فيما يتعلق بالشخصيات الكرتونية في أفلام الرسوم المتحركة، ويقارنها بين الأمس واليوم.

    وبين شخصيات معقدة تحمل أشكالا غريبة اليوم، كانت هناك شخصيات ملامحها أقرب للحقيقة جميلة جذابة، تحكي حكايات مستوحاة من روايات عالمية وبين تلك التي تلامس القلوب بأحداثها وتسترسل على حلقات ومغامرات تاركة الشخص مشدودا لها حلقة بعد أخرى.

    وإن لم يكن لكثير من المحتوى الكرتوني الجديد تلك السمة، لكن ما تزال لتلك الشخصيات التي نشأ عليها ذلك الجيل أثرها حتى اليوم، التي لا تغيب عن ذاكرته، لا من خلال اسمها بل أثرها العميق، والقيم التي تحملها والدورس والعبر.

    وعلى سبيل المثال، جاء مسلسل “لبنى السريعة” الذي أنتج العام 1989 من أصل كوري، ليعلم المثابرة وحب الرياضة والإصرار والعزيمة للتغلب على الخوف وسط التمسك بالعائلة وحب الأم والأب، وفي الدائرة نفسها جاء “الفتى النبيل” الذي صدر العام 1989 وأصله عن رواية أميركية للمؤلفة فرانسيس هودسون برنيت، التي قدمت “الأميرة الصغيرة” التي اقتبس عنها مسلسل الانيمي “سالي”.

    وكلها كانت شخصيات تصارع من أجل حياتها في ظروف صعبة، وسط تقاليد العائلة واحترام الكبير والولاء للعائلة ومساعدة الصديق والنزاهة والصبر والذكاء، فضلا عن العواطف الإيجابية بين الإيثار وحب الآخرين والقائمة لا تنتهي.

    ولم تكتفِ تلك الرسوم القديمة بتقديم قصص عالمية، بل جعلت لخيال الصغير في تلك الفترة مساحة للخيال والتعلق بها، في شخصيات محببة مضحكة مثل “توم اند جيري” الذي ما يزال مستمرا حتى اليوم بنسخة رقمية أفقدته بعضا من روحه، مقابل تلك التي تحفز البحث والاكتشاف كما في “المحقق كونان” وحتى “ارسين لوبين”؛ شخصية كرتونية فرنسية ابتكرها الكاتب الفرنسي موريس لوبلان في العام 1907 وتحولت لروايات وأفلام سينمائية ومسلسلات شهيرة.

    ويرتبط التعلق بمثل هذه الأعمال بتقديمها قصصا اجتماعية لها بداية ونهاية بأحداث متسلسلة، ذات شخصيات بمواصفات تشد الطفل وقريبة منه وتشبهه الى حد كبير، وتستثير عواطفه، بحسب استشارية الطب النفسي وعلاج الأطفال د. شذى أبو حمدة، التي تبين أن هذا التسلسل يجعل استيعاب المشاعر أسهل للطفل ويفهم معانيها، خاصة أنها تتحدث عن مجتمع حقيقي كالذي يعيش فيه الطفل وتناقش تطور الحياة والنمو وتخلو من العنف.

    وتشير الى أن محتوى الأعمال اليوم يحمل عنفا وتشتتا في الأحداث بدون أي ترابط، ما يشتت انتباه الطفل ويجعله غير مقبل عليها كما كنا في طفولتنا.

    الى ذلك تعلق بالذاكرة، “عدنان ولينا”، “زينة ونحول”، “سوار العسل”، “الكابتن ماجد”، “الكابتن رابح”، “بيرين”، “فلونة” التي ارتبطت قصتها بقصة روبنسون كروزو، “علاء الدين”، “السندباد”، “زهرة البراري” الفتاة التي عاشت في أفريقيا وانتقلت لأستراليا، “التوأمان”، “جودي ابوت” اليتيمية التي نالت فرصة للتعلم وأثبتت نفسها بأن أصبحت كاتبة، وهي مقتبسة من رواية شهيرة للكاتبة جين وبستر.

    كما وقدمت أعمال أخرى تتحدث عن ثقافات الشعوب العالمية مثل “حكايات عالمية” التي تنقلت من بلد لآخر لتروي أكثر حكاية شعبية فيها، وأخرى جالت العالم من خلال فتاة تبحث عن أمها وهي مراسلة صحفية تتقصى الحقيقة والقصص الإنسانية “ساندي بيل” وحتى تلك التي كانت تحث على المنافسة والقتال النزيه من أجل الحق كما في “ساسوكي” و”هزيم الرعد” و”صراع الجبابرة” وحتى “ليدي أوسكار”، و”غرندايز: الشجعان الثلاثة”.

    وهي نماذج مختلفة تركت الأثر العميق في جيلي الثمانينيات والتسعينيات، بحسب الاختصاصي النفسي د.أيمن محمد أسعد ربيع، الذي يذهب الى أن كل هذه الأعمال حملت قصصا في محتواها وكان الكبار يتابعونها قبل الصغار. ويلفت الى أن طبيعة المحتوى لهذه الأعمال قدمت لأهمية دور العائلة وأعطت دروسا في الحياة الى جانب قيم الصداقة وأهميتها.
    والأهم من كل هذا، بحسب د. ربيع، أن الشخصيات التي قدمت تشبه الواقع في كثير من الأحيان، وتحمل رسائل مهمة وإيجابية، وهذا ما يفسر حالة السعادة التي تنتابنا حين نشاهدها.

    ويشير الى أن التغير في طبيعة المحتوى الكرتوني اليوم الذي يضم محتوى عنيفا أساسا، ويأتي على شكل كائنات غريبة، وحوش إلكترونية كاسرة، لا يتحدث الا عن الحرب والعنف والسلاح والتطور التكنولوجي بطريقة سلبية؛ يسهم للأسف ببث رسائل لا تخلو من الكراهية والانتقام، توهم الطفل بأن العنف أمر طبيعي في الحياة وتجرده من العاطفة وهذا أمر خطير.

    وأصل هذه الرسوم في الحقيقة يعود لليابان، ما تعرف بـ”المانغا” أي القصص المصورة، وتناقش مواضيع مختلفة بين رومانسية واجتماعية والخيال العلمي، ومن أشهرها “لبيبة” مثلا، ومن أبرز رسامي الرسوم المتحركة أوسامو تيزوكا، والبداية الحقيقية للرسوم المتحركة كانت العام 1900 خلال فيلم أخرجه ج.ستيورات بلاكتون، وهو مؤسس الرسوم المتحركة الأميركية.

    فيما وقدم الصحفي وينسور مكاي وهو رسام كاريكاتيري أيضا فيلم “نيمو الصغير” و”الديناصور جريتي” بين الأعوام 1911-1914، وشهدت منذ حين هذه الصناعة تطورا؛ حيث باتت هذه الأعمال تعرض سينمائيا بأفلام قصيرة، ولها منتجون مثل جون راندولف براي الذي تعاون مع الرسام ايرل هرد، وكلاهما قدم أفلام كرتون كلاسيكية. وتطورت هذه الصناعة في 1920 من خلال استوديوهات بات سوليفان التي ابتكرت شخصية القط فيلكس.

    ودخلت أفلام الكرتون عصرها الذهبي حين فازت بالأوسكار من فيلم أنتجته “ديزني” في العام 1932، وهو أول فيلم ملون حمل اسم “أزهار وأشجار”، كانت “ورونر برذرز” قدمت لاحقا 1934 فيلم “فندق شهر العسل”، وحين قرر كلاهما فصل الرسامين عن كتاب القصص للأفلام لإبراز القصة بشكل أكبر، كان أول نتاج لـ”ديزني” من خلال استديوهاتها فيلم “ثلاثة خنازير صغار”، وأكملت الرحلة بفيلم “سنو وايت والأقزام السبعة” في 1937.

    وتأثر الأطفال بهذا المحتوى، بحسب د. ربيع، مرتبط بتقسيمي العقل؛ العاطفي والمنطقي؛ حيث إن الجزء الأول يمثل القيم والفضائل والمشاعر، فيما الآخر يعكس الخبرات التي يكتسبها الطفل من المحيط والبيئة، وعليه من الضروري إيجاد توازن بين الاثنين لأن طغيان المنطق على العاطفة يعني التجرد منها، وهذا ما يحصل للطفل حين يشاهد أعمالا عنيفة وبرامج على المنوال نفسه تخلو من قيم عاطفية إنسانية.

    ويذهب الى أن هذه الخبرات التي يكتسبها تؤثر في عقله وتغذي جانب العنف في شخصيته، وتعزز اللامبالاة فيه فيعمد لتقمص أدوار الشر واستخدام الأسلوب واللغة نفسهما على أرض الواقع، فيغدو الذكاء لديه متمثلا بالخبث والطيبة تمثل له السذاجة، وقد تنعكس عليه أيضا وتتركه شخصا خوافا انطوائيا غير اجتماعي.

    وتوضح د. أبو حمدة، أن الطفل بين 3-4 أعوام يتأثر بالمؤثرات البصرية والحركية، وتعلقه بها يعتمد على عوامل الحركة وطبيعة الشخصيات ويدفعه لتقليدها بكل ما تفعله، ومن هنا فإن خطر الأعمال الكرتونية اليوم هو افتقارها لقيم ومشاعر حقيقية، ويتعظم أثرها الأكبر على الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة والنشاط، فهي تزيد من ذلك وتشتت انتباههم، ما يؤثر على ردود أفعالهم.

    وفي المقابل، تلفت د. أبو حمدة إلى دور الرسوم المتحركة في تعزيز المخزون اللغوي عند الأطفال وتنمية إحساسهم الجمالي، الى جانب محتواها الترفيهي، فهي أيضا معززة بقيم مضافة تعلمهم تقدير الطبيعة وتغرس فيهم القيم العليا مثل الحب والتسامح والإيثار وتقدير الصداقة واحترام الكبار، وكلها كانت تأتي من خلال شخصيات لطيفة قريبة تلامس القلب. وتعمل على بناء علاقة تشاركية وتفاعلية بين الطفل وبينها من خلال نماذج إيجابية تعلمه التفكير المنطقي المنظم ولو كانت في الحقيقية هي مجرد خيال، لكن تلك العبر تشد الطفل وتجعله ينتظر الحلقة تلو الأخرى.

    وتفسر حب الكبار للرسوم المتحركة في طفولتهم بأنها طرحت قضايا اهتمت بشؤون وهموم الجيل وشكلت متنفساً يخفف الألم ويفتح نوافذ الأمل الى حياة أفضل عبر نماذج مشرقة للأبطال جذبتهم قديماً بما تقدمه من شجاعة وانتصار للخير.
    كما تعلق الكبار بهذه المرحلة بتلك الأعمال، فهي تمثل حنينا لطفولة بريئة من جهة ونماذج بطولية ذات إنسانية عالية وعواطف تتحلى بمضامين تدعو للحب والتضحية والعطاء.

    ويتفق كل من د. أبو حمدة ود. ربيع، على أن تلك الأعمال تمثل دروسا قيمة لأطفال اليوم، داعيين لمشاهدتها، بغية حماية الطفل من تكوين عقلية استهلاكية، بل تنمية عواطفه الإيجابية.

    كما شددا على أهمية أن تكون مشاهدة الطفل لهذه البرامج ناقدة وبحضور الوالدين؛ بحيث يعلقان على المشاهد أو الأفلام لبيان ما هو إيجابي، أو سلبي، أو خيالي، أو واقعي، لأن هذه المشاهدة الناقدة تساعد الطفل على البحث عن الأفضل، خصوصا أن الكثير من تلك الأعمال اعتمدت على الكتب والقصص الشعبية ومستمدة من الأدب وفيها عناصر إنسانية تنعكس على الطفل.  الغد





    [13-11-2016 09:46 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع