الرئيسية أحداث دولية

شارك من خلال الواتس اب
    هل "الكيان الإسرائيلي" علماني؟
    تعبيرية

    أحداث اليوم -

     

    «كل إنسان أراد الدخول إلى الحديقة العامة، قد اجتاز تفتيشًا دقيقًا لجميع الحقائب التي كانت معه للعثور على الخبز، عندما سألت الحارس عند المدخل لماذا لا يدخلهم، قال إنّه تلقّى هذه التعليمات من مدير الحديقة الذي أمره بعدم السماح لأي شخص بإدخال الخبز: هذا ينطبق على اليهود، والعرب، والجميع«، هذا ما كتبته الإسرائيلية «ميخال أفيفي» تعبيرًا عن غضبها من سطوة المتدينين حتى في المرافق العامة بمدينة العفولة، فقد استطاعوا إلزام كل زوار الحديقة بعدم إدخال الخبز وأكله في عيد الفصح.

    إسرائيل التي تسوق نفسها على أنها دولة علمانية ديمقراطية منفتحة، يعمل فيها المتدينون اليهود بأريحية في تفريغها من علمانييها، الذين أقاموا هذه الدولة في العام 1948، فلا غرابة اليوم أن نسبةً كبيرة من اليهود الذين يشاركون في حملات «تدنيس» الحرم القدسي، لا يعتمرون قبعات دينية، ولا يحافظون على نسق ديني كامل في حياتهم الخاصة؛ إنهم العلمانيون الجدد الذين نتجوا عن ظاهرة «التديّن الهجين» التي اعتبرت آخر التحولات في واقع الحالة الدينية بإسرائيل.

    من هو العلماني الإسرائيلي؟

    حاولت الأبحاث الاجتماعية الإجابة على تساؤل مَن هو العلماني الإسرائيلي، فأكدت أن العلماني الإسرائيلي يختلف عن العلماني الأوروبي؛ فالأوروبي يفصل بشكل تام بين نمط حياته وبين نمط الحياة الديني، أما الإسرائيلي في الغالب، وحسب استطلاعات الرأي السنوية، فيعيش حياة متدينة، أي أن الدين والعادات اليهودية مهمة بالنسبة له.
    لقد كانت فكرة إسرائيل، التي تبناها اليهود العلمانيون، فكرة تستند للدين بشكل أساسي، لذلك تظل العلمانية الإسرائيلية ناقصة بسبب تبرير العلمانيين الإسرائيليين لحاجتهم للمعتقدات الدينية، وهذا يخلق تناقضًا في حياتهم، يهربون منه بالتمسك بالتقاليد الدينية.

    ويعود دور العلمانيين في الحياة الإسرائيلية إلى عام 1948، فبعد إعلان دولتهم شكلوا الغالبية من السكان، وأخذوا يتولون دورًا رئيسيًا في النطاق العسكري والاقتصادي والعمراني، وهيمنوا على الجيش والحكومة، ومع ذلك كانوا حريصين على عدم الصدام مع المتدينين، واستعدوا لاستيعاب الجماعات الدينية داخل الجماعة الإسرائيلية، وذلك عبر «تأسيس نظام فريد يستوعب الجماعات الدينية اليهودية داخل الجماعة الوطنية، وكان يحرك النخب العلمانية الحاكمة سعيها إلى إعادة تعريف الهوية الجماعية لليهود تعريفًا يتطابق مع هوية إسرائيل، بحيث يخلط هذا التعريف بين المكونات الدينية والمكونات الوطنية».

    وبهدف استرضاء المتدينين، عقد العلمانيون ما عرف بوثيقة «الوضع الراهن»، وبموجبها وافقت النخب العلمانية طوعًا على فرض قيود دينية على الكثير من مناحي الحياة، كأن تلتزم النخب الحاكمة باحترام يوم السبت المقدس لدى اليهود، والتعهد بأن يتم اتخاذ كل الخطوات اللازمة، لكي يتقيد أي مطعم رسمي بتقديم الطعام المعد حسب الشريعة اليهودية «كاشير».

    التغير الديموغرافي لصالح المتدينين

    بينما يشكل اليهود المتدينون 10% فقط من مجموع سكان إسرائيل، تبين الدراسات الديموغرافية أنه في العام 2030، سيكون هناك 51% من كل سكان إسرائيل يهود متدينون (أي 65% من مجموع اليهود)، ترتبط نسبة زيادة هؤلاء المتدينين بشكل كبير بالتغيرات الديموغرافية التي تشهدها إسرائيل، أي أن الزيادة ناجمة عن اختلاف نسب التكاثر الطبيعي بين المتدينين اليهود، وخاصة «الحريديم»، وبين العلمانيين.
    يقول مدير وحدة المشهد الإسرائيلي ووحدة الترجمة في مركز «مدار»، أنطوان شلحت: «نسبة التكاثر الطبيعي في أوساط المتدينين أعلى بكثير من نسبة التكاثر في أوساط العلمانيين، وهذا يؤدي عامًا بعد آخر إلى قلب الميزان الديموغرافي، حتى إن التوقعات لعام 2020 تشير إلى أن عدد اليهود المتدينين سيكون الأكثر بين السكان اليهود».

    هذه التغيرات الديموغرافية تنعكس على عدة مستويات، وخاصة على الخارطة السياسية في إسرائيل، وهنا يستشهد شلحت خلال حديثه لـ«ساسة بوست» بالمشهد الحزبي قبل عدة سنوات، عندما كان مشهدًا يمينيًا أقرب للوسط، أما اليوم فهو يميني أقرب لليمين المتطرف، وهذا نجده بوضوح في تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية، فهذه حكومة يمكن اعتبارها بأنها الحكومة الأكثر يمينية، وهو ما ينعكس أيضًا على كل القوى النافذة في المؤسسات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، بحسب أنطوان، ويوضح شلحت: «في المؤسسة السياسية نلاحظ أن المتدينين مهتمون جدًا بوزارتين يحاولون من خلالهما إحداث تغيرات جذرية في المجتمع الإسرائيلي، الوزارة الأولى هي وزارة التربية والتعليم، وما تمثله من دور فيما يخص التنشئة الاجتماعية، والوزارة الثانية هي وزارة العدل، المسؤولة عن المحاكم وخصوصًا عن المحكمة الإسرائيلية العليا، التي لها طابع دستوري، وتستطيع إلغاء قوانين يسنها الكنيست. هناك محاولات لتغيير تركيبة المحكمة العليا لكي تكون الأغلبية للقضاة من ذوي الميول اليمينية».

    أما على مستوى المؤسسة العسكرية، فيوضح شلحت أن هناك زيادة في عدد اليهود المتدينين المنتمين للتيار الديني القومي الصهيوني، سواء على مستوى الوحدات أو على مستوى القيادة، بما في ذلك قيادات الصف الأول، مما أثر على كل توجه للجيش الإسرائيلي، خاصة عند القيام بعمليات عدائية عسكرية، كما حدث في العدوان الأخير على غزة، ويعقب شلحت بالقول: «طالما هناك تغير في الميزان الديموغرافي لصالح هذه الفئات فمن الطبيعي أن يزيد حضورها ليس فقط بالمؤسسة العسكرية والسياسية، بل في كل مؤسسات الخدمات، وأيضًا في الجانب الاقتصادي»، ويمكننا هنا الاستشهاد بما كتبه الكولونيل «عوفر وينتر» في الرسالة الموجهة لقواته المشاركة في حرب غزة عام 2014، إذ قال: «لقد اختارنا التاريخ لنقود الحرب على العدو الغزاوي الإرهابي، الذي يلعن ويذم ويكره رب إسرائيل»، منهيًا هذه الرسالة بنص توراتي يبشر جنوده بالحماية الإلهية خلال القتال.

    ورغم أن علمانيي إسرائيل انتقدوا هذه الرسالة كونها «تخرق عرفًا متبعًا منذ عقود، يتمثل في إبعاد الدين عن المهام العسكرية» إلا أن دراسات عدة تؤكد على ارتفاع سطوة المتدينين في الجيش الإسرائيلي خلال الأعوام العشرين الأخيرة، فزاد عدد الضباط الإسرائيليين المتدينين زيادة كبيرة، وزاد نفوذ الحاخامات الذين أدخلوا أمور العقيدة والسياسة على أرض المعركة.

    المتدينون يزيحون العلمانيين بالانتخابات

    رغم أن الزيادة في عدد المتدينين ما زالت لا تمثل زيادة جوهرية فارقة من حيث العدد، إلا أن زيادة تأثيرهم واضحة من الآن؛ فهم يساهمون في تقديم الخدمات التعليمية والصحية والتثقيفية، التي تخلت عنها الحكومة الإسرائيلية، فقد أصبحت مشاركتهم في الانتخابات أعلى بكثير، لذلك يحصلون على مقاعد أكثر، ففي بعض المناطق يصوت منهم 95% بالانتخابات، بينما المناطق المحسوبة على العلمانيين يصوت بها نسبة 65% من السكان، وقد ساهم هذا في أن يكون تواجدهم بالكنيست بشكل أكبر.
    يقول المحلل في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد: «استطاع المتدينون أن يظهروا جزءًا كبيرًا من العلمانيين أنهم غير وطنيين، وأنهم مناهضون لسياسات الدولة، وأصبح دور المتدينين أكبر بسبب قدرتهم على السيطرة على الكثير من المؤسسات في إسرائيل، فعلى سبيل المثال عدد الضباط المتدينين كان في التسعينيات 4%، واليوم وصل إلى 36%. كذلك بدأ جزء كبير من الحريديم بتبني رؤية المتدينين الإسرائيليين من خلال الاشتراك بالجيش والتعاطي مع بعض القضايا السياسية، ودعمهم للاستيطان».

    ويوضح أبو عواد، أنه لا يمكن تشكيل حكومة في إسرائيل بدون المتدينين، فأحزاب الوسط واليسار لا تستطيع تشكيل حكومة دون أن يوجد بها المتدينون وكذلك اليمين، وتابع حديثه لـ«ساسة بوست» قائلًا: «منذ آخر ست حكومات، كان المتدينون بمفردهم قادرين على إسقاط أي حكومة، اليوم لو نظرنا إلى حزب بيتنا المتشدد فسنرى أن بإمكانه إسقاط الحكومة في أي لحظة، كما أن الحريديم الذين يملكون 13 مقعدًا استطاعوا خلال آخر عام إلغاء خمسة قوانين تتعلق بهم، تحت تهديد الانسحاب من الحكومة، فقد أصبحوا بثقلهم رغم قلة عددهم في الحكومة – يشكلون 21 مقعدًا – قادرين على إجبار الحكومة على تلبية مطالبهم في القضايا السياسية والعقائدية».

    ويؤكد أبو عواد على وجود تقاسم واضح بين العلمانيين والمتدينين في المجتمع الإسرائيلي، ففي الفترة الأخيرة كانت الحكومات التي تعاقبت على إسرائيل كلها حكومات دينية يمينية تقليدية، بمعنى أن العلمانيين لم يتواجدوا بتاتًا داخل هذه الحكومات، وعقب بالقول: «الغلبة تميل لصالح المتدينين».

    العلمانيون وظاهرة «التديّن الهجين»

    في أواخر العام الماضي، أعلنت وزارة الأديان الإسرائيلية التي تسيطر عليها حركة «شاس» المتشددة، عن قرب تشغيل قناة تلفزة تهدف إلى إقناع العلمانيين بالتحول إلى التدين، وحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية التي نقلت الخبر ستهدف برامج القناة إلى حث العلمانيين على التحول للتدين، لكن دون التأثير على توجهاتهم بشكل مباشر.
    تبنت أيضًا وزارة التعليم الإسرائيلية تطبيق برامج لامنهجية تهدف إلى تحويل الطلاب العلمانيين إلى متدينين، وذلك من خلال تطبيق خطط تبشيرية، لحث الطلاب العلمانيين على التدين وتعميق القيم اليهودية لدى النشء اليهودي بعد أن تخصص ساعات زائدة لدراسة التوراة واليهودية.

    ساهمت الوسائل السابقة في إحداث تأثير واضح للمتدينين اليهود على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما نجم عنه ما سمي بظاهرة «التديّن الهجين»، تمثل في توجه قطاعات واسعة من الإسرائيليين العلمانيين، نحو التدين بانتقاء أنواع محددة من العبادات اليهودية وتجاهل الأخرى.

    يقول رئيس تحرير صحيفة «ذي ماركير» الاقتصادية الإسرائيلية «كوهين سيمح»: «إنّ معظم المتدينين الجدد برزوا نتاجًا لظاهرة التديّن الهجين، فهم لا يعتمرون القبعات الدينية، ولا يحافظون على تناول الأكل المعدّ بحسب الشريعة اليهودية، لكنّهم يؤدون صلاة مساء الجمعة، ويتوجهون أيام السبت إلى البحر، ويصومون يوم الغفران«.

    ويضيف سيمح الذي ينفي وجود علمانيين في إسرائيل، أنّ: «توجه المزيد من الإسرائيليين إلى الدين جاء نتيجة تحولات اقتصادية- اجتماعية، تمثلت في توقف الحكومة عن تقديم الكثير من الخدمات، مما قضى على مكانتها بوصفها مرتكزًا للتضامن الاجتماعي، وهو ما دفع الناس في اتجاه قوة عليا طلبًا للمساعدة، فكان الإقبال على التديّن«. ويشدد سيمح على أن: «قدرة الدولة على التأثير في مضامين الهوية للإسرائيلي تراجعت بشكل واضح، فقد بات الدين المحدد الرئيس لهذه المضامين، إلى جانب دوره في توفير حلول نفسية وروحية للأزمات التي يصطدم بها الناس، إلى جانب منحه معنى لحياتهم، ونجاحه في بناء أطر تضامن مجتمعي جديدة».

    من جانبه، يقول الكاتب الإسرائيلي «روغل ألف«: «العلماني يتجول الآن في إسرائيل مثل شخص عارٍ في المرحلة الجليدية. ليس له شعر، وهو يرتجف من البرد، ويجد صعوبة في الحصول على الطعام والسكن. إن نهاية العلماني في إسرائيل هي الاندثار، رويدًا رويدًا سيهاجر من هنا أو يغير قناعته ويصبح إسرائيليًا متدينًا، ويقوم بتغطية نفسه بالشعر المطلوب من أجل البقاء هنا»، ويضيف في مقاله «إسرائيل تُفرّغ من العلمانيين« المنشور بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية: «العلماني الذي تربى في إسرائيل له سبب للعيش هنا، لكن في إسرائيل البيت لا يكفي، إسرائيل تختار الإسرائيليين المتدينين الذين يوجد لديهم سبب للعيش هنا».

    «حل الدولتين» انخفاض من عام لآخر في نسب التأييد

    يعترض معظم اليهود المتدينين، بناءً على دوافع دينية وأمنية؛ على تسليم أراضٍ للفلسطينيين، لذلك كان «حل الدولتين» مرفوضًا دائمًا من قِبل هؤلاء، لذلك تؤكد دراسة بعنوان «تأثير الصراع الديني-العلماني في إسرائيل على التسوية السياسية» على أن «الخلاف والصراع بين المتدينين والعلمانيين مرشح للبروز على السطح في حال تم التوصل إلى حل نهائي للصراع العربي-الإسرائيلي».وتؤكد الدراسة الصادرة عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» على أنه «لم يتم الفصل في الصراع الديني-العلماني في داخل إسرائيل بين الصراع وقضايا السياسة الخارجية، وبالتحديد قضايا التسوية للصراع العربي-الإسرائيلي، حيث تعتبر قضايا التسوية مركزية تمامًا في هذا الصراع، وفي عملية التحول الإسرائيلية بحثًا عن هوية جديدة تناسب التحولات السائدة في مختلف المستويات الداخلية والإقليمية والدولية» .

    وفي قراءاته للمؤشرات السنوية التي تفحص موقف الجمهور اليهودي من قضية حل الدولتين، يؤكد «شلحت» أن هناك انخفاضًا من عام لآخر في نسب التأييد لحل الدولتين، ويضيف: «في هذه القضية أمر جوهري، فكما يقول المثل (الشيطان يكمن في التفاصيل)، فإذا وقع الأمر فعليًا وجرى الحديث بالتفصيل عن حل الدولتين، سيتضح بشكل تام تناقض التصور الإسرائيلي الشعبي مع التصور الفلسطيني، سيتضح أنهم لا يريدون دولة فلسطينية على حدود 67، ولا دولة عاصمتها القدس ولا دولة كما كل دول العالم».

    من جانبه، يؤكد أبو عواد على أن فشل عملية التسوية الكبير، ساهم بدور أو بآخر في بروز دور للمتدينين في قضايا تسوية الصراع، وقال: «أصبحت البرامج الداخلية متشابهة لغالبية الأحزاب الإسرائيلية، فحزب العمل الذي يمثل تيار التسوية أصبح ينادي بما ينادي به اليمين الإسرائيلي من أننا لسنا بحاجة لإقامة دولة فلسطينية على كامل حدود 67».

    الساسة بوست





    [13-10-2016 07:49 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع