الرئيسية
أحداث محلية
أحداث اليوم -
إن توقيع اتفاقية شراء الغاز بين شركة الكهرباء الوطنية وشركة نوبل الأمريكية ليست صدفةً عارضة، بل نتيجة لسلسة من التطورات والأحداث التي جعلت هذا البديل خياراً استراتيجياً لتوفير مصدر جديد للوقود لتوليد الكهرباء في الأردن، وبأسعار تسمح بتنويع مصادر توليد الكهرباء لتحول دون ارتفاع كلفها على المواطن.
لقد أثبتت التجارب الأردنية أن الاعتماد على مصدر واحد أساسي للطاقة، سواءً كان نفطاً أم غازاً، حتى وإن أتى من دول عربية سوف يؤدي نتيجة ظروف لا سيطرة للأردن عليها إلى انقطاع في ذلك المصدر، أو ارتفاع حاد في تكاليفه مما يكبد الاقتصاد تكاليف باهظة
ولقد بذل الأردن عبر سلطة المصادر الطبيعية وشركة البترول الوطنية جهوداً كبيرة لاستكشاف النفط والغاز ومرت على الأردن شركات كبرى أنفقت مبالغ كبيرة من أجل استثمار أية خامات نفطية أو غازية، ولكنها عادت وأقفلت جهودها، وكان آخرها شركة بريطانية (بريتيش بتروليوم) والتي أنهت عملياتها في حقل الريشة عام (2014) بعدما أنفقت ما يقارب (475) مليون دولار.
ولقد بذل الأردن في مطلع الثمانينات جهوداً جبارة بالتعاون مع خبراء عرب وبخاصةً العراق مما أسفر عن اكتشاف حقلي حمزة والريشة للنفط والغاز، وبنيت آمال كبيرة على توفر خامات كبيرة، ولكن سرعان ما تبين أن هذه الكميات محدودة ومع هذا، فإن المساعي لم تتوقف عن تطويرهما، حيث أعيد منح امتياز لتطوير حقل الريشة لشركة مصرية ما تزال تعمل هنالك، وبالمقابل فإن حق التنقيب عن مصادر نفطية قد منح في مناطق كثيرة في الأردن، مثل منطقة البحر الميت، وفي مناطق بالقرب من الحدود العراقية وغيرها، مثل شركة «هنت» الأمريكية والتي أغلقت عملياتها بعدما وصلت إلى القناعة بأن أي كميات احتياطية متاحة لم تكن كافية لتبرير الكلف المالية المصروفة على التنقيب أو التطوير.
ولما تطورت بحوث الطاقة المتجددة تبنت الحكومة فكرة تطوير استثمار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، علماً أن جهود الاستفادة منها بدأت في ثمانينات القرن الماضي من قبل سلطة الكهرباء الأردنية والجمعية العلمية الملكية، وقامت شركات في القطاع الخاص منذ ذلك الحين بتطوير مشاريع الطاقة المتجددة.
وفي عام 2012 وضع قانون الطاقة المتجددة وفتح الباب أمام الشركات الراغبة في الاستثمار في الطاقة المتجددة، وفي ظل الظروف التكنولوجية المتاحة، والأخذة في التطور فإنه ليس بالإمكان الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بأكثر من 15% من حاجة الأردن المتزايدة من الكهرباء وحتى لو تم حل مشكلة تخزين الطاقة المتجددة لاستخدامها خلال فترة الليل وفي المواسم الباردة، فإن نسبة الاعتماد على هذه الطاقة حتى عام 2025 لن تزيد عن 20% وبذل الأردن جهوداً كبيرة منذ الثمانينيات من القرن الماضي للاستفادة من الصخر الزيتي، وجرت مباحثات مع عدد من الدول مثل ألمانيا وروسيا وكندا بعدما ثبت أن الأردن يتمتع بوفرة من المخزون من مادة الصخر الزيتي خاصةً في منطقة اللجون بمحافظة الكرك، ومنحت عدة عقود مع شركات عالمية مثل شل من أجل تحويل الصخر الزيتي إلى نفط سائل تحت الأرض قبل استخراجه، وكذلك وقع اتفاق مع استونيا لتوليد كهرباء بطاقة 475 ميغاوات ولا يزال القائمون على المشروع يبذلون جهوداً للإقفال المالي والبدء بالتنفيذ وهنالك شركات أخرى أعطيت حق تعدين الصخر الزيتي لاستخدامه بوسيلة الحرق المباشر لتوليد الكهرباء، ورغم ارتفاع كلفة توليد الكهرباء بالصخر الزيتي بالمقارنة مع الغاز، إلا أنه يبقى بديلاً وطنياً معتمداً على المصادر المتاحة داخل الأردن.
ويدرس المختصون في وزارة الطاقة والثروة المعدنية وشركة الكهرباء الوطنية كل البدائل المتاحة والتي تجعل توليد الكهرباء في الأردن أقل كلفة في ظل الظروف المحيطة والتي تؤدي إلى جعل توليد كهرباء مستقراً وبأدنى كلفة ممكنة على المستهلكين والمنتجين ويؤمن للأردن ملاذاً استراتيجياً لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء والطاقة من قبل القطاعات المختلفة، ومنح صناعاتنا التصديرية المعتمدة على الطاقة الميزة التنافسية التي تمكنها من دخول الأسواق الخارجية، لا سيما الصناعات المعتمدة بشكل مكثف على الطاقة كالصناعات البلاستيكية، وشركات التعدين الكبرى، والصناعات المعتمدة على الموارد الطبيعية المتاحة في الأردن مثل الاسمنت والزجاج والسيراميك.
وإضافةً إلى أنه بموجب الاتفاقية فإنه يمكن استغلال الغاز الطبيعي من شركة نوبل انيرجي لغاية استخدامه في الصناعات، حيث تقدر احتياجات الصناعات في المملكة بـ (100) مليون قدم مكعب في اليوم في عام 2020 وسيشكل هذا الغاز مصدراً جديداً ومنافساً لتزويد الصناعات المحلية.
وتؤكد التجارب التي مر بها الأردن منذ الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز عام 1973، إن الغاز الطبيعي هو من أفضل مصادر توليد الكهرباء المتاحة سعراً وبيئياً، وقد اعتمد الأردن بشكل كامل في توليد الكهرباء على الغاز المستورد من مصر، وقد أدى التذبذب في تزويد الغاز منذ اندلاع الربيع العربي منذ نهاية عام 2010، حيث تم انقطاع الغاز من مصر لمدة طويلة، إلى زيادة كلف شركة الكهرباء الوطنية، وارتفاع مديونيتها حتى وصلت إلى 5.4 مليار دينار في نهاية عام 2015 أو ما يساوي حوالي خمس مديونية الأردن، ولو لم تكن هذه المديونية الواقعة على كامل الموازنة العامة لكانت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في حدود 74% بدلاً من النسبة الحالية وهي 94% وهي نسبة معقولة في ظل الظروف السائدة في المنطقة وذات الأثر العميق على الإنجاز الاقتصادي في الأردن.
وليس هنالك أدنى شك أننا في ظل التكنولوجيا المستخدمة في محطات توليد الكهرباء بالأردن أن الغاز الطبيعي هو أحسن المصادر لتشغيل هذه المحطات وأقلها كلفة كما يظهر الرسم البياني أدناه.
من الواضح أن الغاز المنقول من مصدره عبر الأنابيب إلى محطات التوليد على شكل غاز هو أقلها كلفة، وأكثرها أماناً، وأقلها تعرضاً للحوادث الفنية أو الناجمة عن ظروف طبيعية، خاصةً إذا ما قورن ببديل الاعتماد على الغاز المسال.
والغاز المسال في بعض الدول العربية والقادرة على التصدير، والمتوفر لديها وحدات تسييل الغاز محدودة مثل مصر وقطر والجزائر، وحتى يتم نقل الغاز بالسفن، فلا بد أولاً من تسييله، ثم ضخه على السفن الخاصة المبنية لهذه الغاية بكلف عالية، ومن ثم تفريغ السفينة في موانئ خاصة، ثم إعادة الغاز المسال إلى طبيعته الغازية، ومن ثم نقله إلى محطات التوليد، وكل هذه العمليات مكلفة وتجعل الغاز المسال أعلى كلفة من الغاز الطبيعي المستورد عبر الأنابيب بـ 40% على أقل تقدير وفيما إذا نظر إلى جانب الأمان، فإن استيراد الغاز المسال عبر ميناء الشيخ صباح في العقبة يتم من خلال شركة «شل» وغيرها من موردي الغاز المسال والذي يتم استيراده من أماكن مختلفة في العالم وكادت أن تحصل حوادث اصطدام بين السفينة ناقلة الغاز وسفينة التخزين الخاصة والموجودة في ميناء العقبة ولولا يقظة الجهات المسؤولة لحصلت كارثة كبيرة.
ولذلك نظرت شركة الكهرباء الوطنية إلى البدائل المتاحة لتأمين هذه السلعة الاستراتيجية، وتبين أن الغاز الذي تستخرجه شركة نوبل الأمريكية البحر الأبيض المتوسط هو أكثر البدائل استقراراً من حيث الكلفة والأمان عن الحوادث، ومنذ أن بدأت المفاوضات قبل عامين لشراء الغاز من شركة نوبل، فقد روعي عند التفاوض أخذ الاعتبارات التالية:
أولاً: أن لا يكون هذا البديل هو الوحيد الذي يعتمد عليه، ولن يشكل الغاز المتاح عند توفره في عام 2019 أكثر من 40% من مصادر توليد الكهرباء المتاحة ثم تناقص هذه النسبة مع ازدياد حاجة الأردن لمزيد من الكهرباء، وضماناً للمرونة فِإنه بالإمكان تخفيض المقدار المتفق عليه من (300) مليون قدم مكعب يومياً إلى (225) مليون قدم مكعب يومياً إن توفر بديل من مصادر أخرى.
ثانياً: ضمان استمرار التزويد وتحديد الظروف القاهرة التي تحول دون استمرار تزويد الغاز ضمن أضيق الهوامش مع ضمان شركة نوبل الأمريكية لتعويض شركة الكهرباء الوطنية عن الغاز إذا كانت ظروفها لا تسمح بتزويد الكمية المتفق عليها، وقرار التزويد ليس للبلد التي ينتج فيها الغاز بل للشركة الأمريكية صاحبة الامتياز في تطوير حقل الغاز وبيعه.
ثالثاً: أن السعر الذي سوف يزود به الغاز للأردن له سقف أعلى إن ارتفعت اسعار النفط العالمية لأي مستوى سوف يبقى الغاز أرخص من السعر العالمي له.
وفي مذكرة التفاهم الأساسية التي وقعت قبل عامين بين شركة الكهرباء الوطنية وشركة نوبل كان الاتفاق على أسعار أعلى مما هو عليه في الاتفاق الموقع مؤخراً، وكذلك رفض بند قيام الجانب الأردني بناءً أنبوب الغاز الواصل من نقطة تجميع الغاز داخل اسرائيل إلى الحدود الأردنية كما ورد في مذكرة التفاهم بل تم الإجراء على أن يقوم الجانب الآخر ببناء هذا الأنبوب بكلفة تتراوح بين (70 – 100) مليون دولار، كذلك فإن الاتفاقية الموقعة قد حددت الحالات التي يمكن لشركة الكهرباء الوطنية إنهاء الاتفاقية والتي من ضمنها تزويد نسبة معينة من الكمية الإجمالية من الغاز، ولهذا فقد وفرت الاتفاقية كل الضمانات التي تحول دون جعل الأردن معتمداً عليها، أو التي ترهن تزويد الغاز للأردن بظروف سياسية، أو بظروف قاهرة إلا في أضيق الحدود، وتتيح للحكومة أن تبني سياسات سعرية للكهرباء دون تحمل أعباء إضافية على الخزينة العامة من أجل دعم الإنتاج واستمرار تزويد الكهرباء لأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة بأسعار مدعومة.
ومن الجدير بالذكر أن الحكومة ماضية في خطتها لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي وخاصة في انتاج الطاقة الكهربائية ، حيث من المتوقع ومع منتصف عام 2019 أن تصل نسبة الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة الى ما يزيد عن 15% من اجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة الامر الذي من شأنه ان يخفض من فاتورة استيراد الطاقة الاولية ويحقق نوع من الاستقرارية في كلف شراء الطاقة الكهربائية ، إلا انه لا بد من التنويه في هذا السياق بأن مشاريع الطاقة المتجددة تعتمد على العوامل الطبيعية في إنتاج الطاقة الكهربائية وهذه العوامل متذبذبة ولا يمكن التحكم بها لإنتاج الطاقة الكهربائية بشكل مستدام وتحديداً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فإن امر الاعتماد بشكل كامل على مثل هذه المصادر يعتبر أمراً غير عملي، حتى مع تقدم التكنولوجيا والبدء في استخدام التخزين الذي قد يساعد في ادارة عملية استخدام هذا النوع من الطاقة، إلا ان كلف هذه الطاقة سترتفع بشكل كبير إذا ما تم ربطها بمعدات التخزين، ناهيك عن الكلف الاضافية المترتبة على نقل الطاقة المتجددة من مراكز الانتاج الى مراكز الاستهلاك ، حيث ان مواقع هذه المحطات مرتبط بشكل رئيسي بالظروف المناخية المناسبة لإنشاء مشاريع الطاقة المتجددة الأمر الذي تظهر معه الحاجة الى تعزيز الشبكات الكهربائية وبكلف مرتفعة كما هو الحال في مشروع الممر الاخضر الذي يجري انشاؤه حالياً لتعزيز شبكة النقل في المنطقة الجنوبية من المملكة .
أما فيما يخص انتاج الكهرباء من الصخر الزيتي فقد قامت الحكومة بتوقيع أول اتفاقية لشراء الطاقة الكهربائية من مشروع الحرق المباشر للصخر الزيتي الشركة الاستونية منذ شهر 10/2014 أي بالتزامن مع توقيع مذكرة التفاهم مع شركة نوبل انيرجي لاستيراد الغاز، وذلك رغبةً منها في تعزيز انتاج الكهرباء من المصادر المحلية على الرغم من أن كلفة انتاج الكهرباء من هذا المشروع تفوق كلفة انتاجها من مشروع مشابه عامل على الغاز المسال، وعلى الرغم من فشل شركة المشروع الوصول الى القفل المالي ضمن المدة الزمنية المحددة في الاتفاقية، الا ان الحكومة قد قامت بالتمديد لها لمدة عام كامل آخر أملا منها في تمكين الشركة من تنفيذ هذا المشروع، الا أنه من المعروف أن مثل هذه المشاريع ذات كلف إنشائية مرتفعة جداً حيث تقدر كلفة إنشاء هذا المشروع باستطاعة 470 م.و بحوالي 2.2 مليار دولار أي ما يعادل كلفة انشاء حوالي ( 5 محطات) دورة مركبة عاملة على الغاز الطبيعي بنفس الحجم.
أن الأردن يسعى لأن يكون مركزاً مهما في شبكة نقل الغاز التي تتطور ويسعى الأردن لاحتلال مركز متقدم في مجال تصنيع الطاقة والمشتقات ذات القيمة المضافة المرتفعة.



