الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    "برنيطة" بسام كوسا

    في الثالثة والخمسين “بسام كوسا” الآن، والشّعْرُ يؤكّد ذلك، فقد اشتعَلَ، وانحسَرَ كثيراً عن مقدمة رأسه، وفي جلوسه على الكرسيِّ في حوار تلفزيونيٍّ أخير أمام المذيع الضحوك، يبدو منكَمِشاً كأنّ هذا أول خريف له في شيخوخة أرادَها مبكّرة، ونهاية تخلى كتاب السيناريو عن كتابتها، فتصدّى لها الممثل، والقاص، والفنّان التشكيلي، والمخرج المسرحي، هؤلاء الذين اجتمعوا أخيراً في السياسيِّ الذي بدا محتاراً كيف يخفي جلدة رأسه.
    يُفكّر الممثّلُ الحلبيُّ في غطاء لرأسه في هذا الشتاء الطويل، “البرنيطة” لا تناسبه، فهي تتطلّبُ دوراً أرستقراطياً لم يعتد عليه “باجس”، الفتى البدويُّ النزق الذي قاومَ المخرَز بالكفِّ، في حكاية قديمة عن طغيان الإقطاعيِّ “غزوان الصفوح” ذلك الذي تزوّجَ “نورا” وهي “سمر سامي”، شريكتُنا في الحبِّ. أطلتُ الشرح، كنتُ أريدُ أنْ أقول إنّ “بسّام كوسا” يفضّلُ وهو في الثالثة والخمسين، أنْ يضعَ على رأسه حذاء عسكر “بشار أسد”، وهذا شأنه القليل، لكن عليه أن يعتذر لنضال “باجس” ضدّ العبوديّة و”السُّخرة”، وحبِّ “نورا”.
    يقول المُمثل النحيلُ، الذي اشتُهِرَ بأداء أدوار العاشق التعيس في الحبِّ العبثيِّ، والممنوع، والمستحيل، في بداياته اللافتة قبل ثلاثين عاماً، إنّ “لدى سورية رئيسا واحدا منتخبا هو بشّار الأسد”، وهو قولٌ جازم لم يكن متاحاً أبداً لـ”سالم” الذي يُتأتئ قبل النطق غير السليم، وهو يشرح لـ”ندى”، وهي أيضاً “سمر سامي” شريكتنا في الحبِّ، حين أسنَد له المخرج دور “الكومبارس” الذي يُقتَلُ في المشهد الأول، عندما كانت الثورة تبدأ بإيعاز من المخرج، وتنتهي حين يتدخّل “الرقيب”.
    سألته “ندى” بعد موته في دوره القصير: “شو يعني لأنّه مواطن لازمْ يموت”، فأجابَها بضحكة مَنْ أتيحَ له دور المعلّم لمرة واحدة “لكْ لا”، وسخِرَ بضحكة أخرى، حتى كشفَ لها سرّ فرحه بالدور الصغير جداً: “لأنّي آخِدْ دور فيّو كلامْ”، ولمّا اكتمَلَ نموّ اللسان لـ”سالم”، وصار البطلَ والمخرزَ، قال ما امتنعتْ جموع الكومبارس عن قوله قبل موتهم: “سوريّة بَدْها الأسد”!
    “الإدعشري” يسمّي الثورة “أزمة”. يفركُ كفيه، ويعيد تعريف المصطلحات، ويجلس اليومَ في الثالثة والخمسين بقميص أبيض لا بقعة حمراء في كمّه المكويِّ، وسترة سوداء كأيِّ رجلٍ في مقتبل الخمسين يحرص على تضاد الألوان في لباسه أمام كاميرا التلفزيون المحلي، ليتحدّثَ عن “الحسّ الإلغائي” لدى من يعارضونه، ومنْ يعارضون نظامه منذ خمس سنوات ثوريّة، هؤلاء الذين أغلبهم الآن تحت الأرض أو فوقها بكثير!
    لا يشكو “الإدعشري” من الإصبع الحادي عشر في قدمه، ما يُتْعِبه أنّ هناك من يقول له في المعارضة “إنْ لم تكن تفكِّر كما أريد فأنتَ سلفاً عدوّي”، وهو يجلس باللونين الأبيض والأسود أمام شاشة التلفزيون المحليِّ الذي لديه كلّ مساء نشرة أخبار تعلن عن مقتل عشرات “الإرهابيين” الذين فكّروا قليلاً قبل خمس سنوات ثوريّة وكتبوا أفكارهم على جدران درعا، طلباً لقليل من الحريّة.
    بقميص أبيض، وسترة سوداء، أطلّ “باجس” و”سالم” و”الإدعشري”، كنتُ أفضِّلُ لو وضَعَ على رأسه “البرنيطة”، وأدّى دوراً جديداً قبل أنْ يبكِّرَ في الذهاب إلى نهايته، وشيخوخته. حزنتُ كأنّني ابن أخيه، فقد وقفتُ أمامه مبهوراً قبل عشرة أعوام بجوار صلبان الفحيص، وكنتُ قد انتدبته للقاء الشام و”سمر سامي”، شريكتنا في كلّ ما تأخّرَ من الحبّ.





    [07-04-2016 08:09 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع