الرئيسية أحداث محلية

شارك من خلال الواتس اب
    "أم محمد" تجمع الخردة لتطعم أبنائها

    أحداث اليوم -

    تسير في شوارع المدينة الرئيسية وتنتهي في أزقتها الضيقة. هي تبحث عن رزقها في الأرض لكي تسد جوع أطفالها، وتؤمن المستلزمات الأساسية لعائلتها. وبخطوات بطيئة وتحت حرارة الشمس المرتفعة؛ تجرّ أم محمد عربتها المتهالكة لتبحث عن الحديد وعلب المشروبات الغازية والصفائح والخردة.

    هذه المرأة لم تنشأ وسط عائلة أوضاعها المادة متدنية، بل كانت عائلتها ميسورة الحال، واختبرت حياة سعيدة وهنيئة حتى لحظة وفاة والدها الذي كان يعمل مديرا لمدرسة ثانوية، فبعد وفاته تدهورت حالتها وتراجع وضعها المادي.

    لحظة فقدان والدها، شعرت أنها فقدت الحياة، فهو الشخص الحنون والأب الحكيم؛ إذ لطالما حدثها عن الناس وطبعهم، واستفادت من خبراته، وكما كان يقول لها، فإن كثيرا من الناس لا يتعرفون على الشخص إلا عندما يكون في قوته وليس بحاجتهم، وبمجرد وقوعه تكثر الأقاويل عنه وترفع أيادي المساعدة، الا من كان فيهم القليل من الخير.

    أم محمد متزوجة من شخص مريض ولديه عجز بنسبة 80 %، لا يقوى على العمل، وهي الوحيدة المعيلة لعائلة تتكون من خمسة أفراد، هي وزوجها وأبناؤهما الثلاثة، وتؤكد أنها تسعى لأن تكمل تعليم أبنائها، لأنها تؤمن أن التعليم سلاحهم الأول والأخير.

    ورغم أن أم محمد تحمل شهادة الثانوية العامة، وسجلت الفصل الأول بالجامعة، غير أن نصيبها دق الباب وأصبحت زوجة وأما، وتحمل أعباء كثيرة.
    بدأت رحلتها مع العربة وجمع الخردة قبل عامين بهدف توفير دخل وإن كان زهيدا، لكي تصرف على بيتها وأولادها، تقول “ما أزال أستطيع العمل الذي يساعدني بأن لا الجأ لأحد، ولأنني أعلم أن لا أحد يشعر بهموم الشخص وحوائجه الا نفسه”.
    جاءت الفكرة لديها ببيع الخردة حينما ذهب ابنها يوما ما مع جيرانهم بالحي، وعمل على جمع الخردة معهم وبيعها من ثم أعطوه دينارين ثمن ما جمعه. في تلك الليلة نامت هي وزوجها وأبناؤها بعد أن اشتروا بهذا المبلغ طعاما سد جوعهم ولو لقليل من الوقت، واستيقظت في اليوم التالي مبكرا، واستخدمت شنطة سفر قديمة وربطت يدها بالحبل ليسهل عليها جرها، وعملت على جمع الخردة وعلب البيبسي.

    “مشيت طويلا يومها، ولم أجد الكثير، إلا أن ما جمعته، ذهبت به إلى المدينة الصناعية وبعته لأناس يشترون الخردة، وحصلت على ثلاثة دنانير، وطلبت من ولدي الاهتمام بدراسته فقط وأنا من سيعمل”.

    واليوم أم محمد تسير في الطرقات ومعها عربة تجرها وتعينها على حمل ما تجمعه من الخردة. وأحيانا يجود عليها أصحاب المطاعم بوجبات مجانية يقدمونها لها، فتأخذها معها للبيت حتى يتناول أبناؤها طعام العشاء، فهذا الشيء يشعرهم بسعادة كبيرة.

    أم محمد تبدأ نهارها بالحارات القريبة من منزلها، وهي لا “تنبشها” كما تقول، بل تعمل على جمع الظاهر منها من حديد أو خردة أو صفائح وتنكات الزيت والجبن.
    وبعدها تسير في الشوارع وقرب المطاعم التي تجمع ما انتهت منه كصفائح الزيت؛ إذ باتت زبونة عند بعضهم فيحتفظون بها لأم محمد خصوصا.

    وبعد انتهاء ساعات عملها، تنام بعد يوم طويل من العمل والمشي المتواصل، لتستيقظ صباح اليوم التالي تعبئ عربتها المتهالكة بقطع الخردة، وتذهب إلى المدينة الصناعية، وتبيع ما جمعته، وتأخذ ثمنها الذي لا يتجاوز عادة الأربعة دنانير.

    أم محمد تبين أن سعر كيلو الحديد يبلغ 80 قرشا، وبعد أن تجمع نحو 5 كغم يكون سعرها 3 دنانير لا غير. وتبين أن إيجار بيتها 80 دينارا وتكاليف مدارس أبنائها من مصروف ومستلزمات الحياة جميعها يجعلها يائسة بعض الأحيان، إلا أنها “تؤمن بأن فرج الله قريب”.

    رغم كل ما تمر به، تظهر أم محمد عزة نفس وقوة، وإيمانا بنصيبها، لا تلوم الظروف والحظ السيئ، بل لديها طاقة ايجابية، وتنظر للحياة بجمال رغم همومها الكثيرة. وما تزال تبحث عن الرزق بشتى الطرق، والقليل القليل يرضيها وتجدها حامدة لله بشكل دائم، غير مبالية بتكاليف الحياة الكثيرة، ويساعدها على ذلك ذكرى والدها والذكريات الجميلة التي اختبرتها معه.(الغد)





    [20-08-2015 09:46 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع