الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    انتفاضة النسور الموعودة!

    الشكاوى المريرة لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، من أنّ "المزايا الخدماتية" الممنوحة لهم هي على الورق فقط؛ فلا تعترف بها أي دائرة حكومية، تلخّص بحق المعضلة الأردنية اليوم في الإدارة العامة والسياسات الحكومية عموماً. فنحن أمام "جزر معزولة" تماماً، لا يوجد تواصل حقيقي بينها من ناحية، وأمام خطاب سياسي منمّق لا يأخذه المسؤولون الفاعلون في الميدان على محمل الجديّة!
    محزن جداً هذا الاستهتار الحكومي بما تمّ الاتفاق عليه مع "المبادرة" النيابية ومنظمات المجتمع المدني، بمنح حقوق إنسانية أساسية طبيعية لأبناء الأردنيات، فقط لتسهيل حياتهم اليومية وتخفيف الأعباء الكبيرة عنهم، فيما لم يتحقق ذلك على أرض الواقع، بالرغم من حصول قرابة 45 ألف امرأة على بطاقة الأحوال المدنية التي تثبت لهن الإقامة المطلوبة (وفق ما جاء في تقرير الزميلة رانيا الصرايرة في "الغد"، بتاريخ 4 /8 /2015). والسبب أنّ الدوائر الرسمية المختلفة تتعامل مع هذه القضية بوصفها مسألة مكياج سياسي إعلامي، بينما يبدو أن التعليمات الحقيقية لهم: انسوا الموضوع، يبقى كل شيء على ما هو عليه!
    تذكرون تلك الضجّة التي أثيرت حول هذا الموضوع، وما صاحبها من حركة نشطة قامت من أجل منح أبناء الأردنيات حقوقا كاملة. ثم، تحت مطرقة الخوف من "الوطن البديل" والتوطين، تراجع الحديث عن الحقوق الكاملة إلى "حقوق مدنية". فقال كثيرون حينها: جميل "لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم"، فالمهم أن يشعر أبناء الأردنيات بالحدّ الأدنى من التقدير، وبعدم وجود خصومة أو عداء مع البيروقراطية الأردنية، وأن يعيشوا حياة يومية من غير تنغيص، ولو من دون الحقوق السياسية والجنسية الكاملة!
    حتى "الحقوق المدنية" لم يقبل بها التيار المتشدد، وجذب مؤسسات الدولة (أو هي مستمتعة بهذا الخطاب التقليدي) إلى "الفزّاعة التقليدية"، خشية من أن تكون "الحقوق المدنية" مقدمة للحقوق السياسية، فتغيّر الاسم إلى "مزايا خدماتية". وتحت ضغط الواقع، ولأنّ الناس يريدون العنب لا مقارعة الناطور، وافقوا على ذلك!
    اليوم، وبعد كل هذه النقاشات والخضّ الإعلامي والسياسي، يجد أبناء الأردنيات أنّ هذه المزايا على الورق فقط، بلا أي قيمة حقيقية. إذ ما يزال التعامل معهم في مؤسسات الدولة على ما هو عليه؛ فلم يجدوا تحولاً في حقهم في التعليم والصحة، ولا حتى في الاستثمار والتملك والقيادة. والذريعة التي يقدّمها الموظفون (كما في تقرير الزميلة الصرايرة أيضا) أنّهم لم يتلقوا تعليمات بهذا الشأن. وهم محقون، فهذه التعليمات لم تنشر حتى في الجريدة الرسمية، كما كان يفترض!
    في تقرير الزميلة الصرايرة قصص وحكايات عن المعاناة المضحكة المبكية؛ فهؤلاء المساكين صدّقوا فعلاً قصة البطاقات التعريفية، وجهدوا للحصول عليها، ليكتشفوا لاحقاً أن الجهة الوحيدة التي تعترف بها هي دائرة الأحوال المدنية، كما يقول أحدهم!
    الطريف أنّ هذه المعاناة تتزامن مع الموضة الجديدة في البلاد، بالحديث عن تشجيع الاستثمار والعوائق البيروقراطية والقانونية التي تعترض ذلك، والكلّ يرمي بالكرة في ملعب الآخر. والأطرف أنّ رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، دعا (أول من أمس) في اللقاء الموسع الذي نظّمته وزارة تطوير القطاع العام، لتمكين المرأة في قطاع الخدمة المدنية، الهيئات الحكومية إلى الانتفاض "على الروتين والترهل الإداري والقيام بواجباتها بمنتهى الكفاءة"، بينما الحكومة لم تمكّن المرأة نفسها من مجرد مزايا خدماتية، لأنّها هي نفسها لم تأخذ القضية على محمل الجدّ!
    إذا كانت الحكومة هي أول من يتنكّر لخطابها وسياساتها وقراراتها ويتجاهلها؛ فكيف نطلب من الموظفين والمسؤولين الصغار أن ينتفضوا على الروتين، وأن يبدعوا في عملهم، بما أنّ المؤسسات الرسمية جزر شبه معزولة وقنوات التواصل فيما بينها مقطوعة؟!





    [10-08-2015 12:47 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع