الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ظاهرة تشريعية غريبة

    يعاني الأردن من ظاهرة تشريعية غريبة؛ إذ نناقش لأسابيع طويلة مسودة قانون جديد، ونمضي أياما طويلة في مداولات حول مواده تحت قبة البرلمان، وتخرج الحكومة فخورة بما أنجزت. ثم نكتشف في اليوم التالي أن ما من أحد راض بالقانون الجديد، حتى وزراء الحكومة ذاتها.
    ظاهرة غريبة حقا، تكررت في حالات كثيرة. مشروع قانون ضريبة الدخل، دار حوله سجال طويل امتد لأشهر، وفي اليوم نفسه الذي أقر فيه من قبل مجلس الأعيان، صدرت توصية من اللجنة الاقتصادية في المجلس بتعديل القانون في الدورة المقبلة!
    وفي وقت لاحق، أقرت مرجعيات عليا، وشخصيات فاعلة في الدولة، ومجتمع رجال الأعمال، بأن إقرار القانون بهذه الصيغة كان خطوة متسرعة.
    يحصل الشيء ذاته حاليا مع قانون الاستثمار، والمجلس الذي انبثق عنه؛ فبعد سيل من الانتقادات التي وجهها المستثمرون للقانون، ارتفع صوت رئيس هيئة الاستثمار شاكيا باكيا من بيروقراطية حكومية تصادر صلاحيته، وتعطل المشاريع. واكتشف وزراء شاركوا في إعداد القانون وتشكيل هيئة الاستثمار، أن لا مبرر أصلا لوجودها!
    في الأردن، قوانين مضى على إقرارها أكثر من خمسين عاما، لا تلقى النقد الذي تلقاه تشريعات لم يمر على تطبيقها بضعة أشهر؛ أو ليست تلك ظاهرة غريبة؟!
    قبل فترة وجيزة، أقر مجلس الأمة مشروع قانون جديد للأحزاب. في مرحلة إعداده، عُقدت عشرات الاجتماعات والورش، شارك فيها خبراء وقادة أحزاب. ثم، وبعد إحالته إلى مجلس النواب، أدارت اللجنة المعنية في المجلس نقاشا حوله مع مختصين ومعنيين.
    سجلت على المشروع ملاحظات وانتقادات عديدة، وأدخل النواب تعديلات على نصوصه. في نهاية المطاف، أُقر القانون من مجلسي البرلمان، وسط معارضة من بعض الأحزاب.
    القانون رفع إلى جلالة الملك للمصادقة عليه قبل ثلاثة أسابيع، غير أن الإرادة الملكية بالموافقة عليه لم تصدر حتى الآن، وقد لا تصدر في وقت قريب؛ لشعور صاحب القرار بأن القانون لا يخدم بشكل صحيح طموح الدولة إلى تنمية الحياة الحزبية، ولا يدعم خطط الإصلاح السياسي المستقبلية.
    لقد بدا القانون في صيغته النهائية مخيبا للآمال، لافتقاره لنصوص تضمن تمثيلا واسعا لكل مكونات المجتمع، ومحافظاته، وشرائحه الاجتماعية.
    لا توجد نية لرد القانون. لكن التحفظ عليه يشكل بحد ذاته رسالة للحكومة، تشبه تلك الرسالة التي تلقتها في العقبة.
    ما حصل للقوانين سابقة الذكر، ينبغي أن لا يتكرر مع "البلديات" و"اللامركزية". لا نريد أن نكتشف في اليوم التالي لإقرارهما بأنهما لا يخدمان الأهداف التي وُضعا من أجلها.
    وبعبارة أخرى؛ أهداف الإصلاح المرجوة من حزمة التشريعات الجديدة، في المجالين الاقتصادي والسياسي، يجب أن لا تخضع لتسويات لا تخدم الصالح العام.
    من المؤسف حقا أننا ما نزال في حلقة تشريعية مفرغة؛ نقر القانون، ثم نتقدم بمشروع معدل له في الدورة النيابية التالية. هذه الحالة مرهقة للأطراف صاحبة المصلحة، وتستنزف وقت السلطتين؛ التنفيذية والتشريعية، بلا طائل. ناهيك عن إفسادها لخطط الدولة الإصلاحية، وتشويه سمعتها.
    أراهن أن جدول أعمال الدورة النيابية المقبلة "العادية"، سيتضمن مشاريع قوانين معدلة لتشريعات أقرت قبل أقل من سنة. هل نستمر في حالة التخبط المكلفة هذه؟





    [06-08-2015 12:05 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع