الرئيسية أحداث منوعة

شارك من خلال الواتس اب
    ما لا تعرفونه عن الجامع الأموي بدمشق

    أحداث اليوم -

    لم يكن الجامع الأموي مجرد مكان تُقام فيه الصلوات الخمس، بل مركزاً من مراكز الحياة في دمشق -أقدم مدينة في التاريخ- وتعدت وظيفته إلى تجييش الجيوش منه للفتح أو لصد الغزاة، وكان ملجأ للمجاهدين والعلماء ظهرت فيه ثلة من العلماء والقادة، وحفل عبر العصور بأنواع كثيرة من النشاطات الاجتماعية والتجارية بل والسياسية أيضاً ومن داخله كانت تُدار دفةُ الحكم في دمشق أيام العهد الأموي، إلى جانب كونه معلمة تنطق بالإبداع والجمال والفن والإشراق والسحر.

    بُني الجامع الأموي في دمشق على بقايا هيكل قديم يرجع تاريخه إلى أيام الرومان هو معبد "حدد" الآرامي (وحدد هو إله العاصفة السوري أو إله الصاعقة والبرق) الذي كان يُعبد في دمشق منذ ثلاثة ألاف سنة، ومن المرجح أن المعبد أصبح يحمل اسم معبد (جوبتير) الدمشقي عقب سيطرة الرومان على دمشق، إلا أنه لا يمكن تأكيد أن المعبد أصابه تبدل في بنائه الأساسي عقب هذا التحول ولازالت آثار المعبد الذي كان من أضخم المعابد الرومانية واضحة حتى يومنا هذا، ويتفق المؤرخون على أن المعبد تحول إلى كنيسة في عهد الإمبراطور (تيودروس الأول)- 379 -395 م.

    وتحول مكان الجامع قبل الإسلام إلى كنيسة وهي كنيسة "مار يوحنا" وعند الفتح الإسلامي لدمشق أخذ النصارى الأمان من أبي عبيدة رضي الله عنه وهو على باب الجابية، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن يُجعل نصفُ البلد صلحاً ونصفه الآخر عنوة، فأخذ المسلمون نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة رضي الله عنه مسجداً، وهكذا يمكن القول إن الجامع الأموي هو أول مسجد في الشام، فيه أقيم أول محراب مازال يحمل اسم الصحابة إلى اليوم. وقد حول المسلمون فيما بعد الجزء الشرقي إلى مسجد، فكان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد –هو باب المعبد الأصلي إلى جهة القبلة- فينصرف المسلمون إلى جهة الشرق والنصارى إلى جهة الغرب.
    *غيظ على الأعداء
    يرجع الفضل في بناء الجامع إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي أراد أن يضاهي فيه تلك الكنائس الرائعة التي أقامها نصارى الشام، وقد أشار إلى ذلك بقوله: "رأيتكم يا أهل دمشق تفخرون على الناس بأربع خصال تفخرون بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأحببت أن يكون مسجدكم الخامسة".

    وأول عمل قام به الخليفة عبد الملك هو إلحاق النصف الآخر بالمسجد من أجل توسعته لكي يتسع البناء للعدد المتزايد من المصلين المسلمين المقيمين في دمشق، وقد عرض عليهم المال فلم يستجيبوا له وأصروا على إبائهم وعند ذلك أقام عليهم الحجة أن هذه الكنيسة من حق المسلمين وأنهم قد تفضلوا عليهم بها منذ أن دخلوا دمشق، ولكنهم رفضوا التنازل عنها عندما احتاج المسلمون إليها، ثم أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بتشييد الجامع الأموي عام 98 هـ / 716 م، واستمر بناؤه حتى عهد أخيه سليمان وقد استدعى الوليد لبنائه العمال من كل مكان، فجمع لبنائه كبار المهندسين من فارس والهند والمغرب والروم، و"باكتمال تشييد الجامع الأموي بدمشق، فإن مرحلة جديدة من التطور المعماري في العهد الأموي قد أنجزت، وظهر هذا الصرح الديني بصيغته الفنية المتكاملة كأنه مأثرة معماريـة حقاً أبانت للعالم بأسره نضج القيم التكوينية الجديدة واكتمال المفاهيم التصميمية، تلك المفاهيم التي لا يتعدى عمرها عمر ظهور الإسلام نفسه، أي قبل أقل من ثمانية عقود لا غير" كما يقول الباحث المعماري د . خالد السلطاني.

    ولكن الجامع لم يحافظ على شكله الذي بُني عليه أيام الوليد بن عبد الملك بل تعرض لكثير من الحرائق والزلازل التي غيرت معالمه كثيراً، وعانى الجامع فيما بعد من الإهمال حتى صار اشبه بخان أو فندق، وبقي على ذلك مدة ليست بقليلة حتى جاء الملك الظاهر فكان من بداية إصلاحاته أن قام بتنظيف الجامع وغسل رخامه وفرشه وأعادته مسجداً للعبادة والعلم.

    وتعرض الجامع بعد ذلك أيضاً إلى عدد كبير من الحرائق والزلازل التي ألحقت به أضراراً مختلفة، وكانت الحرائق، باستثناء الأخير منها، تمتد إليه من البيوت والأسواق الملتصقة به والتي رأى بعض المهتمين أنها تستر جماله وتشوه منظره وتعرضه للخطر مما يتطلب إزالتها، وقد تم بالفعل كشف جدران الجامع الأموي من الجهتين الجنوبية والغربية بحيث أزيلت تقريباً كل الأبنية الدخيلة عليه مما أتاح فرصة مشاهدته من الخارج لا من الداخل فقط.
    *قبة النسر
    ينقسم الجامع إلى قسمين؛ الشمالي ويسمى الصحن، وهو مكشوف تحيط به أروقة مسقوفة وتتوسطه ثلاث قباب، تُعرف الغربية منها باسم قبة الخزنة أو قبة عائشة وتعرف الشرقية باسم قبة الساعات، أما الوسطى فقد أقيمت فوق بركة ماء.

    والقسم الجنوبي ويسمى الحرم، وهو مسقوف بثلاثة صفوف من جمالونات محمولة على صفين من الأعمدة الضخمة، تحمل أقواساً كبيرة نصف دائرية فوقها عدد مضاعف من الأقواس الصغيرة، كما هو الحال في الأروقة المحيطة بالصحن، وللأعمدة تيجان كورنثية جميلة. ويقطع الحرم في منتصفه رواق واسع ومرتفع، يعرف باسم المجاز القاطع، تتوسطه قبة عالية محمولة على أربعة أعمدة ضخمة، فوقها قبة مثمنة الشكل ومزودة بالنوافذ، وتسمى قبة النسر وأعطيت هذا الاسم لارتفاعها الذي يشبه ارتفاع عش النسر ويقال أنها كانت بيت مال المسلمين في دمشق، ومما يلفت نظر الزائر واجهة الجامع الداخلية الشاهقة الارتفاع المزينة بالزخرفات الفسيفسائية ، على هيئة مناظر طبيعية وتمتد هذه الزخرفات على شكل نهر يشبه في تفاصيله نهر بردى الذي يخترق مدينة دمشق، ويظهر في أعلى الجانب الأيسر قصور وعمائر ومنازل وميادين وقناطر وأشجار بألوان مختلفة.

    ويدل وصف الرحالة والمؤرخين القدامى لفسيفساء المسجد الأموي على روعة تلك اللوحات ودقتها وأماكن مواقعها.

    فيذكر المهلبي بأن "حنايا المسجد وحيطانه كلها إلى حد سقفه كانت منقوشة أبدع نقش بالفسيفساء الملون، المدهون أو المذهب يخطف الطرف، وكذلك حيطانه كلها في صحنه وسائر أروقته منقوشة مذهبة بالفسيفساء"، وقد كتب في حائطه القبلي سور من القرآن بالفسيفساء المذهب في تضاعيف النقش.
    *قبر النبي يحيى
    عند الدخول إلى داخل حرم الجامع تصافح عينا الزائر قبة أنيقة بشكل محزز قائمة بين أعمدة الرواق الأوسط من الجامع شرقي المحراب.

    تضم تحتها قبر النبي يحيى عليه السلام أو يوحنا المعمدان كما يعرفه المسيحيون الذي بشَّر بالسيد المسيح وعمَّده بمياه الأردن المقدسة، ويُعتبر هذا المقام موضع تقديس المسيحيين والمسلمين معاً، وقد أمر الوليد بن عبد الملك ببنائه وسط حرم الجامع، عندما عُثر على رأسه داخل (سقط) ضمن صندوق، وتعرض المقام إلى حريق عام 1893 م الذي أصاب الجامع الأموي فأعيد بناؤه.

    وأورد ابن عساكر نبأ العثور على قبر النبي يحيى عليه السلام أو يوحنا المعمدان في المكان أثناء تشييد الجامع، وقد أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بأن يحافظ على القبر في مكانه ويُجعل فوقه عمود يختلف عن الأعمدة الأخرى ليدل عليه.

    وتحول الجامع الأموي الذي انطلقت بالقرب منه أول مظاهرة سلمية ضد نظام الأسد قبل أربع سنوات إلى مكان يجتمع فيه غلاة الشيعة، ويمارسون فيه طقوسهم في اللطم والتطبير والأناشيد الطائفية والتحريضية وإقامة "حسينية" في قلب المسجد الذي لطالما شكّل رمزاً دينياً هاماً للمسلمين السنة في سوريا.





    [13-07-2015 12:45 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع