الرئيسية حدث وصورة

شارك من خلال الواتس اب
    الملك عبد الله يروي تفاصيل المهمة السرية التي قام بها الى ايلات

    أحداث اليوم -

    روى جلالة الملك عبدالله الثاني في كتابه 'فرصتنا الأخيرة ' عن اولى المهمات السرية التي كُلف بها من قبل المغفور له الملك الحسين ، وذلك بأن يقوم بحمياته خلال زيارة سرية ليلية إلى مدينة ايلات الاسرائيلية .

    كنت في احدى الأمسيات مسترخياً استريح من عمل نهار طويل في قاعدتي العسكرية في القطرانة عندما رن جرس الهاتف . كان والدي على الخط وطلب مني الحضور إلى عمان فوراً لمقابلته . انطلقت في السيارة للقاءه متسائلاً لما يا ترى يريد ان يراني في هذه الساعة المتاخرة من الليل . وصلت في العاشرة ليلاً .

    اخذني والدي جانبا وقال لي أنه ينوي الذهاب إلى العقبة غداً مساءاً ومن هناك سيستقل قارباً للاجتماع بالاسرائيليين للضغط عليهم للموافقة على حل ينهي احتلالهم للاراضي التي استولوا عليها في العام 1967 ويحل السلام في المنطقة .

    قال لي : ' اريدك سائقي وحارسي الشخصي ' . صحيح أن بين الاردن واسرائيل حدوداً طويلة لكن مع ذلك كان الداخل لاسرائيل ارض غريبة علينا . فدخولنا اسرائيل كان اشبه بدخول برليني غربي تسلل عبر الحائط لزيارة برلين الشرقية عندما كانت الحرب الباردة في أشد مراحلها حدة .

    قلت له إنه لشرف كبير ان أكون إلى جانبه ، فطلب أن الاقيه في المطار صباح اليوم التالي . في طريقي إلى المنزل شعرت بشيء من الحماسة والإثارة ، لكن انتابني بعض التوتر . كنت ضابطاً في الجيش برتبة نفيب ، ومرافقة والدي في مهمة سرية إلى أرض العدو وكانت عبئاً ثقيلاً ، ولأول مرة لن أكون مجرد مراقب لتاريخ العلاقة العربية - الاسرائيلية فقط بل هذه المرة ، لاعباً فيها ولو بدور صغير .

    قررت أن أُفرج هنا عن هذه القصة الشخصية لانها تعطي ، ولو لمحة سريعة ، عن المخاطر الكبرى التي كان والدي يقتحمها من أجل احلال السلام . أنني اشعر بأن الأهمية بمكان - بعد وفاته - أن نوضح مدى تفانيه في سبيل احلال السلام في المنطقة بما يضمن انسحاب اسرائيل من كل الاراضي العربية المحتلة ، خصوصا القدس ، التي كان لها موقع خاص في قلبه .

    كان مؤناً أن السلام هو حق لشعوب المنطقة جميعاً ، عرب واسرائيليين ، وكان يردد في استمرار أن المرء يصنع السلام مع اعداءه لأن السلام مع اصدقاءه قائماً اصلاً . لا فائدة على الإطلاق من الاصرار على عدم اللقاء بهم ، وقد التقى والدي الاسرائيليين مراراً لمناقشة المقترحات المطروحة لتحقيق السلام ، لكنه طالما تمسك بمطلب الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية شرطاً اساسا لحل الصراع ، كان والدي يشعر ، في ظل وجود أكثر من 375 ميلاً من الحدود المشتركة مع اسرائيل آنذاك بأن المباحثات معها كان لا بد منها تجنباً للحرب .

    وبعد الكارثة التي ابتلينا فيها في العام 1967 ، كان علينا أن نبذل المستحيل لتفادي كارثة أخرى ، من بين الفضائل الكبرى التي اسبغها الله على والدي أنه كان موضع احترام وتقدير لدى الجميع ، حتى الذين لم يكن على توافق معهم .

    كان من الخلق الكريم والنبل بحيث لم يسمح يوماً بنفسه أن يشير ولو تلميحاً الى أن العديد من القادة العرب اللذين كانوا يكيلون له الانتقاد اللاذع في العلن على مفاوضاته مع اسرائيل ، كانوا يطالبونه من وراء الستار بأن يكون الواسطه بينها وبينهم .

    ركبنا الطائرة أنا ووالدي من عمان إلى العقبة ، وكان يرافقنا رئيس الوزراء زيد الرفاعي ، والشريف ' الامير لاحقاً ' زيد بن شاكر رئيس الديوان الملكي .

    كانت الخطة تقضي بان نقوم برحلة سرية بقارب صغير يعبر بنا خليج العقبة إلى اسرائيل . بوصولنا إلى العقبة وجدنا قاربنا الصغير وانتظرنا هبوط الليل حتى اذا بلغت الساعة التاسعة مساءً ركبنا نحن الاربعة قارب الصيد وابحرنا خروجاً من الميناء باتجاه الحدود ثم دخلنا المياه الاسرائيلية .

    اخذنا نتقدم بشيء من الحذر ثم ارسلنا ضوءاً وامضاً من قوس القارب فاجابنا ضوء من الجهة المقابلة وما لبث أن خرج من تلك العتمة المظلمة قارب صغير اخر وعلى متنه ' افرام هاليفي' أحد مسؤولي الموساد - جهاز الاستخبارات الخارجية في اسرائيل - . هاليفي المحامي المولود في بريطانيا والذي اصبح فيما بعد رئيساً للموساد ، لم يتحدث كثيراً . أشار لنا بأن نتبعه .

    بدأنا نقترب من الحدود الاسرائيلية ، وكان مكان الاجتماع قد حدد ، لكن القارب الاسرائيلي غير اتجاهه ، الامر الذي اثار قلقاً شديداً لدى الشريف زيد الذي قال :' ليس هذا ما اتفقنا عليه ' عندئذ اشار لي والدي بأن ارافقه إلى اعلى القارب حتى اذا ابتعدنا عن مسامر الاخرين قال لي: ' حسناً ما رايك ؟' .

    من وجهة نظر شاب يختبر المهمات السرية للمرة الاولى حثثت والدي على الاستمرار في المهمة ، فنظر الي وابتسم ثم عدنا وانضممنا إلى رفيقينا الاخرين وقال والدي للشريف زيد :' لا بأس، سنكمل المهمة ' .

    استانفنا الرحلة وصولاً إلى مدينة ايلات الاسرائيلية ، وهي على مسافة قصيرة من العقبة وهناك ارسينا القارب أمام حظيرة تابعة للبحرية وكنا على مسافة 297 مترا من الشاظئ صعد والدي وزيد الرفاعي والشريف زيد إلى متن القارب الاسرائيلي وقصدوا الشاطئ ، وبقيت انا وحدي احرس قاربنا .

    اطفأت كل انوار القارب ومسحت الشاطئ مسحاً شاملاً بالمنظار بحثاً عن جنود اسرائليين ، فلم ارَى احداً سوى شخصين جالسين حول موقد فيه نار مشتعلة ، وكانا يعزفان على الغيتار . في لمحة سريعة خاطفة رأيت التماعة سيجارة بيد شخص قرب الحظيرة البحرية ، فركزت النظر عليها بواسطة المنظار ليتبين لي انه قناص اسرائيلي يراقبني .

    لم تكن لدي اي وسيلة للاتصال بوالدي وقد ادركت مدى العزلة التي انا فيها ، أجلس وحيدا في قارب صيد على بعد أمتار من ميناء اسرائيلي . تناولت القنابل اليدوية التي بحوزتي وعلقتها على جانب القارب رابطاً في ما بينها بحيث اذا سحبت الشريط انفجرت المجموعة بكاملها .

    لا بد أنها كانت الساعة العاشرة مساء عندما وصلنا إلى ذلك الميناء ، وها هي ساعات قد مضت وانا انتظر عودة والدي والاخرين .في لحظة من اللحظات فكرت :'خلال خمس ساعات سوف تشرق الشمس وانا هنا وحدي في قارب راس في ميناء اسرائيلي ، يعج بالبنادق والقنابل اليدوية ، ولا أحد يعلم أنني هنا ماذا تراني سأفعل اذا لم يعد والدي ؟' من حسن الحظ أنني لم اضظر إلى اقتحام الشاطئ بمفردي أو أن أعود إلى الاردن واشرح لمن يعنيهم الأمر كيف استطعت أن اصطحب الملك في رحلة مجهولة الاتجاه وأن افقده .

    قبيل شروق الشمس عاد والدي في القارب الصغير نفسه وابحرنا جميعاً عائدين إلى العقبة . ومع أن والدي لم يحدثني يوماً عما دار من أحاديث تلك الليلة ، فإن اجتماعات كهذا قد أرست الاسس التي قامت عليها معاهدة السلام التي وقعت في النهاية بين الأردن واسرائيل .





    [08-07-2015 01:13 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع