الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    نبيذ أردني

    من يسمع انتقادات بعض الجماعات والأحزاب لمدير مؤسسة المواصفات والمقاييس الدكتور حيدر الزبن، على تصريحاته بشأن النبيذ الأردني، يظن أن هذه الصناعة معدومة في الأردن. لكن الحقيقة التي يعرفها حق المعرفة المنتقدون ذاتهم، هي أن في الأردن مصانع تنتج النبيذ، وأنواعا أخرى من الخمور، ومرخصة حسب القانون الأردني؛ تصدر للخارج، وتبيع إنتاجها في السوق الأردنية، كما هي حال العديد من الدول العربية والإسلامية.
    لكن هذه هي عادة بعضنا في المزاودة لكسب الشعبية. الدكتور الزبن كان واضحا في كلامه؛ فهو لم يوجه دعوة للأردنيين لشرب النبيذ المحلي، بل تحدث عن فرص تصديره للخارج.
    في دولة عربية مثل تونس، يشارك الإسلاميون في حكمها، يتصدر النبيذ قائمة صادراتها. وفي المرحلة الانتقالية التي كانت فيها حركة النهضة الإسلامية تتولى قيادة تونس، حافظت هذه الصناعة على ميزتها التنافسية في السوق الأوروبية، ولم يخرج أحد من شيوخ الحركة ليصرخ في وجه الشيخ راشد الغنوشي، ويتهمه بالكفر.
    لقد صور المنتقدون في بياناتهم الأردن على نحو يشبه "دولة داعش" أو حركة "طالبان"؛ لا مكان فيها للتنوع الاجتماعي والثقافي. فهي من وجهة نظرهم أرض حشد ورباط ليس إلا، منذورة لتقديم الشهداء، والقتال في حروب الأمة!
    لكنها في الحقيقة صورة متخيلة لا صلة لها بالواقع. الأردن دولة مدنية، يحكمها القانون لا الفتاوى. وهي دولة صغيرة تفخر بتنوعها، وتكافح من أجل توفير حياة كريمة لأبناء شعبها، لا حشد ولا رباط ولا ما يحزنون.
    لم يرتكب الزبن معصية ولا خطيئة ليواجه بهذه الحملة. الدكتور الزبن الشجاع والنزيه، الذي وقف في وجه مافيات الفساد، ودافع بشجاعة عن غذاء الأردنيين وصحتهم، وحقهم في الحصول على سلع مطابقة للمواصفات العالمية؛ الزبن الذي جنبنا كارثة أسطوانات الغاز الهندية، ومنع دخولها للبلاد، ووقف برجولة، مع مؤسسة الغذاء والدواء، ضد إدخال شحنة القمح البولندي؛ هذا الزبن، صار في ليلة وضحاها شيطانا يجب طرده من وظيفته، لمجرد أنه دعا الأردنيين للاستفادة من ميزة العنب الأردني لغايات إنتاج النبيذ وتصديره.
    من خدم البلاد أكثر؛ أحزاب وهيئات الجعجعة، أم حيدر الزبن؟ من وقف في صف الناس؛ أصحاب الأصوات العالية، أم ذوو القامات العالية من أمثال الدكتور الزبن؟
    أدرك أن ما قاله الزبن أمر غير مسبوق من مسؤول حكومي، ويثير الجدل. لم لا؟ هذه شجاعة تحسب له لا عليه. لقد ساد، ولزمن طويل، سلوك عام في مؤسسات الدولة يحابي رجال الدين، فظنوا مع مرور الوقت أن لهم سلطة فوق سلطة الدولة ودستورها وقوانينها. ولهذا السبب ربما، لم نسمع كلمة دفاع واحدة عن الزبن من وزير في الحكومة أو مسؤول في الدولة. هم ببساطة يخشون سلطة رجال الدين، وسطوة الثقافة السائدة، ولا يملكون الشجاعة للمواجهة.
    هذه هي مشكلة أنصار الدولة المدنية في الأردن؛ فمع أنهم تيار الأغلبية في المجتمع، وداخل حلقات صناعة القرار، والكثيرون منهم يتذوقون النبيذ الأردني ويشيدون بطعمه، إلا أنهم لا يملكون شجاعة الزبن.





    [07-05-2015 09:06 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع