الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    مهمة غير منجزة!

    ليس من الصعوبة إدراك أنّنا وصلنا اليوم إلى "حافة الهاوية" في كثير من الدول العربية والإسلامية؛ على أعتاب حرب أهلية داخلية كبرى بين المكونات السُنّية والشيعية خصوصاً، والطائفية الدينية عموماً (في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن). وليس بعيداً عن ذلك دول أخرى فيها أزمات شبيهة، أو حتى بين التيار الإسلامي الحركي والتيارات العلمانية (مصر وتونس)، أو داخل التيار الإسلامي نفسه (الراديكاليين والمعتدلين).
    إذا فتّشنا عن الأسباب، فليس من الصعوبة، أيضاً، أنّ نضع أيدينا على جرثومة كبرى وراء هذه المآسي، وهي الاستبداد وفشل الدولة القطرية العربية في الحكم والإدارة والاقتصاد؛ ما أدى إلى كوارث هائلة في عدم الإدماج السياسي، والتهميش السياسي والاقتصادي، والفساد، وغياب التعددية، وفشل التنمية الاقتصادية.. إلخ.
    لكن إلى جوار العامل السياسي، ثمّة عامل أكثر عمقاً وأبعد غوراً وأشد صلابة في تفسير النفق الراهن الكبير، وهو العامل الثقافي (بما تتضمنه الثقافة من عوامل اجتماعية ودينية وأخلاقية وعلمية). وربما كشفت النزعة الطائفية المنبثقة من نيران الحروب الداخلية عن هشاشة ثقافية مدنية ديمقراطية عربية وإسلامية سافرة؛ إذ سرعان ما تلاشت العناوين السياسية والتعددية الفكرية، وانقسم الناس على أسس طائفية ودينية وعرقية.
    الأخطر من هذا وذاك، أنّ الدين نفسه تحوّل إلى "أداة طائفية"، وسلاح فتّاك في الاحتراب الداخلي، وشعار رئيس من شعارات القتل على الهوية والمعتقد الديني، فضلاً عن أنّ الخلاف على دوره السياسي كان مسوّغاً أو بمثابة "قميص عثمان"، لتفجير حالة الاستقطاب الداخلي والانقضاض على الحلم الديمقراطي؛ سواء من الثورة المضادة -التي استخدمت العنوان العلماني لمآرب سياسية- أو من المتشددين الإسلاميين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية إلاّ في سياق أهدافهم الأيديولوجية.
    صحيح أنّ الإسلاميين أعلنوا قبولهم بالديمقراطية والتزامهم بنتائج صناديق الاقتراع، إلاّ أنّ مشكلة هذه "الدعوة" أنّها لم تتعمّق وتتجذّر في الوعي السياسي وفي البناء الثقافي لدى الإسلاميين، ولم تصل إلى ما ينبغي أن تطاوله من مفاهيم أكثر عمقاً لدى التيارات الإسلامية حول الدولة الإسلامية؛ بمعنى دولة الحاكمية أو الخلافة، أو حتى تطبيق الشريعة بالدلالات التاريخية والفقهية المتراكمة، هذا من ناحية.
    ومن ناحية أخرى، لم يدرك الإسلاميون أنّ الديمقراطية ليست فقط صندوق اقتراع، أو حكم الأكثرية كيفما اتفق؛ بل هي منظومة متكاملة من القيم والثقافة والآليات، وتوازن بين حكم الأكثرية وحقوق الأقلية، وحماية التعددية. وكل ذلك كان يستدعي مراجعة هائلة وغربلة كبيرة للميراث الفقهي لدى الإسلاميين. وهو ما حدث جزئياً، لكنه بقي محدوداً وغير نافذ في الثقافة العامة لديهم، ولدى المجتمع، ما أنتج الاختلافات الكبيرة حول دور الإسلام في المجال العام والسياسي.
    ثمّة مهمة ليست منجزة في العالم العربي والإسلامي، تتمثّل في الإصلاح الديني والتنوير؛ ليس فقط على صعيد النخب، بل على الصعيد الثقافي الشعبي العام، بما يتغلغل إلى حياة المواطن العادي وقيمه ومفاهيمه ورؤيته للدين ودوره، وللحياة السياسية والمجتمع. إذ ما نزال إلى الآن عالقين في هذه الإشكالية أو المعضلة الثقافية الكبرى؛ حول رؤيتنا للنظام السياسي والدولة والمجتمع ودور الدين، ما يعيق ترسيخ مفاهيم المواطنة والتعددية والدولة المدنية الحديثة، ولنجد أنفسنا مشتتين بين نماذج متضاربة؛ الدولة التسلطية العربية، نظام الخلافة على غرار "داعش"، الحكم القبلي، شبه السلطوي، بينما يغيب نموذج ديمقراطي تعددي مدني.
    بدأ المهمة التاريخية، فعلاً، علماء كبار مثل محمد عبده ومدرسته الإصلاحية الأولى. لكن القطيعة معها حدثت في العقود التالية، بل تمّ اغتيال رموز هذه المدرسة معنوياً، وتجريمها والتشكيك فيها من قبل التيارات الإحيائية المحافظة. ومن دون ردّ الاعتبار لهذه المدرسة واستئناف مهمتها الكبرى، فإننا سنبقى على حافة الهاوية، وفي مرمى البركان الطائفي والتشدد!





    [05-04-2015 08:15 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع