الرئيسية
كواليس
أحداث اليوم -
أحمد الضامن
في الوقت الذي تتحدث فيه الجهات الرسمية صباح مساء عن تشجيع الاستثمار وخلق فرص العمل في المحافظات، يقف أحد أهم فنادق البحر الميت، "فندق رمادا" التابع لشركة وادي الشتاء للاستثمارات السياحية، أمام مصير غامض؛ أبواب مغلقة، معيل لأكثر من مئتي أسرة، وحكومة تلتزم الصمت.
يقع فندق رمادا في منطقة السويمة على شاطئ البحر الميت، ويُعدّ من أبرز المقاصد الفندقية التي استقطبت على مدى سنوات الزوار من داخل الأردن وخارجه، مستفيداً من الموقع الفريد للبحر الميت باعتباره أحد أهم المقاصد السياحية في المملكة.
ومع ذلك، فإن هذا الصرح السياحي وجد نفسه خلال السنوات الماضية في مواجهة تراكمات إدارية ومالية أوصلته لطريق مغلق، قبل أن يتدخل مستثمرون جدد ليحاولوا إعادة إحيائه.
مجلس إدارة جديد… وإرث ثقيل
قبل فترة غير بعيدة، انتخب مساهمو شركة وادي الشتاء للاستثمارات السياحية مجلس إدارة جديداً، بعد سنوات من الجدل والخلافات والتحديات التي واجهت الشركة والفندق معاً.
وبحسب ما تؤكده وثائق رسمية منشورة وتقارير صحفية سابقة، فإن اجتماع الهيئة العامة كان بمثابة محاولة لـ"تحرير الشركة" ووضع حد لمرحلة طويلة من التعثر.
المجلس الجديد بدأ بمراجعة الملفات كافة: أوضاع الفندق التشغيلية، حجم المديونية، الالتزامات المتراكمة، ومستحقات العاملين التي تأخرت لأشهر.
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن الإدارة الجديدة اصطدمت منذ اليوم الأول بإرث ثقيل من القرارات، وبواقع مالي لا يمكن تجاهله، ما جعل خيار الإيقاف المؤقت للتشغيل "وفقاً لما كشفته المصادر المقربة" عملية جراحية مؤلمة لكنها – كما يقول مطّلعون – كانت ضرورية لإعادة الترتيب الداخلي والبحث عن حلول جذرية بدلاً من استمرار النزيف.
ما يقارب 200 أسرة معلّقة بين السماء والأرض
بعيداً عن لغة الأرقام والموازنات، يبقى الوجه الأكثر قسوة في قصة رمادا هو الوجه الإنساني، أكثر من 200 أسرة في منطقة السويمة والمناطق المجاورة كانت تعتمد على الفندق كمصدر رئيسي للدخل؛ موظفون وعمال وموظفات خدمة وغرف وصيانة وأمن، وجدوا أنفسهم فجأة أمام واقع جديد: منشأة منهكة، ومستحقات تأخرت لأشهر أثقلت كاهلهم والالتزامات اليومية لا تنتظر.
يقول أحد العاملين السابقين في الفندق، مفضّلاً عدم ذكر اسمه:
"لسنوات طويلة، كان الفندق هو بيتنا الثاني، اليوم لا نعرف إن كنا سنعود إلى أعمالنا، ولا نعرف من يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه؛ هل هي الإدارات السابقة؟ هل هي الحكومة التي تركت الأمور تتفاقم؟ أم أن الحل أبسط بكثير لكنه يحتاج من يجلس على الطاولة ويتحاور؟"
ورغم أن مجلس الإدارة الجديد بدأ بمحاولات لإعادة ترتيب البيت الداخلي والبحث عن مخارج قانونية ومالية وتشغيلية، إلا أن العبء وحده يبدو أكبر من أن تتحمله شركة واحدة، في ظل غياب واضح لأي خطّة رسمية لمساندة هذا النوع من الاستثمارات السياحية الحساسة.
أين الحكومة من ملف رمادا؟
القصة في رمادا لا تخص فندقاً واحداً، بقدر ما تطرح أسئلة أوسع حول منظومة التعامل الرسمي مع الاستثمارات السياحية في الأردن، وخاصة في منطقة بحجم وأهمية البحر الميت.
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لا توجد مؤشرات واضحة على تحرّك فعّال من قبل الوزارات المعنية – السياحة، العمل، الاستثمار، والاقتصاد – للتواصل المباشر مع الإدارة الجديدة للشركة، ووضع خطة مشتركة لإنقاذ الفندق وضمان حقوق العاملين.
وهنا تبرز أسئلة مشروعة:
- هل تم عقد أي اجتماع رسمي مباشر بين الوزارات المختصة وإدارة الشركة لبحث سبل استئناف التشغيل ضمن خطة مرحلية؟
- ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لحماية حقوق العمال وضمان تسوية مستحقاتهم؟
- كيف تنسجم حالة الصمت هذه مع الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن دعم الاستثمار وتوفير فرص العمل في المحافظات؟
اللافت أن قصة رمادا تأتي في مرحلة ترفع فيها الحكومة شعارات تحسين بيئة الأعمال، وجذب الاستثمارات، وتوفير حوافز للراغبين في الاستثمار السياحي، غير أن الواقع على الأرض يبدو مختلفاً؛ فبينما تحتاج الشركات المتعثرة إلى جسر من الدعم والحوار، تترك وحيدة.
فندق بحجم رمادا، بموقعه الفريد على شاطئ البحر الميت، يمكن أن يكون قصة نجاح وطنية تُروى، ومصدر تشغيل واستثمار، وشريكاً في الترويج للوجه السياحي للأردن، بدلاً من أن يتحول إلى عنوان جديد على قائمة المشاريع المتعثرة.
ما الذي يجب أن يحدث الآن؟
لا تبحث هذه المادة عن "متهم" بقدر ما تبحث عن حل، لكنها تذكّر في الوقت نفسه بأن غياب القرار هو أيضاً شكل من أشكال القرار.
ما يحتاجه ملف رمادا اليوم هو:
- تدخّل سريع من الحكومة عبر الوزارات المعنية لعقد طاولة حوار مع مجلس الإدارة الجديد، ووضع خريطة طريق واضحة لمستقبل الفندق.
- خطة جدولة ومعالجة للالتزامات والديون تراعي مصلحة الشركة والعمال دون الإضرار بحقوق الدائنين أو القوانين النافذة.
- برنامج وطني لدعم المنشآت السياحية المتعثرة في البحر الميت والمناطق الأخرى، كي لا يتحول تعثر منشأة واحدة إلى رسالة سلبية داخل المجتمع.
- ضمان حقوق العاملين وأسرهم، عبر معالجة ملف المستحقات المتأخرة، ووضع آلية تضمن عودتهم للعمل فور استئناف التشغيل.
إلى أن يحدث ذلك، سيبقى سؤال "ماذا يحدث في فندق رمادا البحر الميت؟" مفتوحاً، ليس فقط أمام العاملين والساكنين في السويمة، بل أمام كل من يعنيه مستقبل الاستثمار السياحي وسمعة البيئة الاستثمارية في الأردن.



