الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الأردن والذكاء الاصطناعي: نحو تعليم رقمي يقود المستقبل


    يشهد التعليم في العالم نقلة نوعية بفعل الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد أداة مساعدة بل أصبح عنصرًا أساسيًّا يعيد صياغة طرق التدريس وأساليب التعلم وإدارة المؤسسات التعليمية. وفي الأردن، يبرز هذا التحول بوضوح من خلال الجهود الوطنية التي تبذلها الدولة لترسيخ الذكاء الاصطناعي في التعليم بوصفه ركيزة للتنمية والتحديث.

    في عام 2022 أقرّت الحكومة الأردنية الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي والخطة التنفيذية للأعوام 2023–2027، التي جرى إعدادها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا (الإسكوا)، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو). وتتضمن هذه الاستراتيجية خارطة طريق عملية تضم 68 مشروعًا موزعة على خمسة أهداف رئيسية، أبرزها بناء القدرات البشرية وتعزيز البحث العلمي وتطوير الأطر التشريعية، مع تركيز خاص على التعليم كأحد القطاعات ذات الأولوية.

    تبرز في هذه الاستراتيجية مشاريع ملموسة تعكس جدية الأردن في إدماج الذكاء الاصطناعي في معظم المجالات، ومن بين هذه المشاريع مبادرة “Ask Aqaba” التي طورت مساعدًا ذكيًّا يقدم خدمات في مجالات السياحة والاستثمار بمدينة العقبة، وهو نموذج يمكن توظيفه في التعليم عبر منصات تفاعلية تقدم للطلاب المعلومات والإرشاد بشكل فوري. كذلك أطلقت وزارة الاقتصاد الرقمي مشروعاً لتنقية البيانات الحكومية باستخدام الذكاء الاصطناعي، ما يعزز من دقة المعلومات التي تعتمد عليها عملية اتخاذ القرار، ويمكن أن ينعكس على قطاع التعليم من خلال تطوير قواعد بيانات طلابية دقيقة تساعد في صياغة سياسات تعليمية أكثر فاعلية.

    ولم يقتصر الأمر على المشاريع التقنية، بل شمل أيضًا الجوانب المجتمعية والتثقيفية، فقد وقّعت الوزارة مذكرة تفاهم مع شركة ستاليون للذكاء الاصطناعي لإطلاق منصة “مواطنة الذكاء الاصطناعي” (AIQOM)، وهي مبادرة تهدف إلى نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي بين الأفراد والمؤسسات، بما في ذلك الجامعات والمدارس، وهذه الخطوة تفتح المجال أمام تدريب الطلبة والمعلمين على المهارات الرقمية الجديدة، وتساهم في بناء وعي مؤسسي وشخصي بقدرات الذكاء الاصطناعي وكيفية توظيفه في التعليم.

    إنّ دمج هذه المبادرات في قطاع التعليم يعني أنّ الطلاب الأردنيين سيتعاملون مع بيئة تعليمية أكثر مرونة وتفاعلية؛ فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر تعلمًا مخصصًا لكل طالب من خلال تحليل أدائه وتقديم مسارات تعليمية تتناسب مع احتياجاته الفردية. كما يمكن أن يخفف الأعباء الإدارية عن المعلمين عبر أتمتة مهام مثل تصحيح الاختبارات وإعداد التقارير، ليتيح لهم وقتاً أكبر للإبداع والتفاعل المباشر مع الطلبة، هذه التحولات ستسهم في تطوير مهارات التفكير النقدي والابتكار، وهي مهارات أساسية لسوق العمل المستقبلي.

    من جهة أخرى، يواجه الأردن تحديات حقيقية في طريقه إلى بناء تعليم ذكي، وأبرزها تكمن في ضرورة توفير البنية التحتية الرقمية المتقدمة لجميع المدارس، وضمان وصول الإنترنت السريع والأجهزة الحديثة حتى في المناطق النائية. كما أنّ الجانب الأخلاقي يشكّل محورًا أساسيًّا، إذ يجب أن تُدار بيانات الطلاب وفق معايير صارمة من الخصوصية والشفافية، لكن وجود خطة وطنية واضحة ومشاريع جادة يجعل هذه التحديات قابلة للتذليل عبر شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية.

    وقد انعكست هذه الجهود على موقع الأردن عالميًّا، حيث تقدم ترتيبه في مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024 من المرتبة 55 إلى المرتبة 49. هذا التقدم يؤكد أنّ ما يجري ليس مجرد خطط مكتوبة، بل خطوات عملية بدأت تضع الأردن على خريطة الدول الجاهزة لتبّني الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، وفي مقدمتها التعليم.

    توضح التجربة الأردنية أنّ الذكاء الاصطناعي ليس خيارًا مستقبليًّا بعيد المدى، بل واقعًا يتحقق اليوم؛ فإذا استطاعت المملكة أن تبني على استراتيجيتها الوطنية وتواصل الاستثمار في المشاريع التعليمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فإنّها ستكون في موقع متقدم بين دول المنطقة في تقديم نموذج تعليميّ عصريّ، يتسم بالمرونة والابتكار والعدالة، التعليم الأردنيّ الجديد يرسم الآن ملامحه، والذكاء الاصطناعي هو الأداة التي تمنحه القدرة على مواكبة العالم والتحضير لمستقبل تتسارع فيه التغيرات.





    [21-09-2025 02:40 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع