الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    [الإفصاح والتشريعات الجديدة: أين وصل الأردن في التحديث الاقتصادي والسياسي؟

    أحداث اليوم -
    بقلم: علي سليمان الدرادكة

    يشهد الأردن اليوم مرحلة مفصلية في مسار التحديث الشامل، الاقتصادي والسياسي والإداري، تعكس الرؤية الملكية الاستباقية لمواجهة التحديات المحلية والإقليمية والدولية. هذه المرحلة لا تقتصر على إصلاحات مؤقتة، بل هي مشروع طويل المدى يهدف إلى بناء دولة قوية، حديثة، ومستدامة، قادر على المنافسة وتحقيق التنمية الشاملة. وفي هذا السياق يبرز سؤال جوهري: إلى أي مدى وصل الأردن في تطبيق التشريعات الحديثة وتعزيز الإفصاح كركيزة للتحديث؟
    الإصلاح التشريعي: أساس التحديث والمساءلة
    التحديث لا يمكن أن يتحقق دون إطار قانوني مرن وحديث يعكس متطلبات المرحلة ويضمن الإفصاح والشفافية في إدارة الشأن العام.
    شهد الأردن في السنوات الأخيرة سلسلة تعديلات على القوانين الرئيسية، شملت الاستثمار، الأحزاب، الانتخابات، والحكم المحلي، بهدف تعزيز الشفافية وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع المشاركة المجتمعية.
    القوانين المعدلة لم تركز فقط على الجانب الاقتصادي، بل امتدت لتشمل البعد السياسي من خلال تعزيز دور الأحزاب، تطوير القوانين الانتخابية، وفتح المجال أمام مشاركة أوسع للشباب والمرأة. كل ذلك يندرج ضمن إطار الإفصاح، الذي يتيح للمواطنين والمؤسسات متابعة تطبيق القانون وفهم السياسات العامة بوضوح.
    التحديث الاقتصادي: من الرؤية إلى التطبيق
    أطلق الأردن في الأعوام الأخيرة رؤية التحديث الاقتصادي (2023-2033)، التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد متنوع ومستدام، يعتمد على الابتكار، التكنولوجيا، والطاقة المتجددة. وتضع الرؤية الإفصاح والشفافية في قلب السياسة الاقتصادية، باعتبارهما عنصرين أساسيين لبناء بيئة أعمال جاذبة، وتحقيق الثقة مع المستثمرين المحليين والأجانب.
    تركز الرؤية على القطاعات الحيوية:
    • الطاقة المتجددة والاقتصاد الرقمي، لتعزيز الاستدامة وخلق فرص عمل جديدة.
    • السياحة والزراعة الحديثة، لزيادة مساهمة القطاعات التقليدية في الناتج المحلي الإجمالي بطريقة مبتكرة.
    • المشاريع التنموية الإقليمية، لتقليل الفوارق بين المحافظات وتعزيز التنمية الشاملة.
    كل هذه القطاعات تتطلب الإفصاح في إدارة الموارد والمشاريع لضمان الكفاءة، الشفافية، والمساءلة، وهو ما يسهم في تعزيز ثقة المستثمرين والمواطنين على حد سواء.
    التحديث السياسي: مشاركة وشفافية
    التحديث السياسي يشكل وجهًا آخر للعملية الوطنية الشاملة، إذ لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية دون إطار سياسي ديمقراطي يتيح المشاركة الفاعلة والشفافية. الرؤية الملكية تؤكد على برلمان حزبي برامجي، وحياة سياسية متجددة تقودها قوى شبابية ونسائية نشطة، لضمان تمثيل حقيقي لمصالح المواطنين.
    وقد جاءت التشريعات الأخيرة لتعزز هذا التوجه من خلال تنظيم الانتخابات، تطوير نظام الأحزاب، وفتح المجال للمبادرات المجتمعية التي ترتكز على الإفصاح والشفافية. هذا الإطار يجعل المواطن شريكًا فعليًا في عملية التغيير، ويضمن المساءلة الحقيقية للمسؤولين.
    دور الإفصاح في التحديث الشامل
    الإفصاح أصبح اليوم عنصرًا محوريًا في مسار التحديث، سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي. فهو يتيح شفافية القرارات، وضمان التزام المؤسسات بالقوانين، ومتابعة الأداء الحكومي والمؤسسي. كما أنه يدعم ثقافة الثقة بين الدولة والمجتمع، ويحفز القطاع الخاص على تبني معايير واضحة في إدارة مشاريعه.
    التحديات والفرص
    على الرغم من التقدم الملحوظ، لا يزال الطريق أمام الأردن طويلًا. تشمل التحديات:
    • تطوير البنية التحتية الرقمية لضمان الإفصاح الفعّال.
    • تعزيز الثقافة المؤسسية للمساءلة والشفافية على جميع المستويات.
    • إدارة التغيرات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني.
    في المقابل، توفر التشريعات الحديثة والرؤية الملكية فرصًا ذهبية لتحويل الأردن إلى نموذج متقدم في التحديث الاقتصادي والسياسي، مع تعزيز ثقافة الإفصاح والشفافية على مستوى الدولة والمجتمع.
    رؤية ملكية نحو المستقبل
    لقد أكد جلالة الملك عبد الله الثاني مرارًا أن التحديث الشامل مشروع مستمر، لا يقتصر على حكومة أو فترة انتخابية محددة، بل هو رؤية وطنية طويلة المدى تهدف إلى بناء أردن قوي، عصري، قادر على المنافسة، ومستدام اقتصاديًا وسياسيًا.
    إن التقدم الذي أحرزه الأردن في التشريعات الحديثة والإفصاح والتحديث السياسي والاقتصادي يشكل مسارًا استراتيجيًا نحو المستقبل، يتيح مشاركة أوسع للمجتمع، ويعزز ثقة المواطن بالمؤسسات، ويحقق التطلعات الملكية في بناء وطن متين، عصري، ومزدهر. ومع ذلك، يبقى السؤال قائمًا: إلى أي مدى وصل الأردن في هذه الرحلة، وما الذي تبقى لتحقيق الرؤية الملكية كاملة؟


    علي سليمان الدرادكة
    محاضر غير متفرغ
    0775440809
    ali.dradkah@yahoo.com





    [18-09-2025 02:24 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع