الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الضريبة والمسؤولية الاجتماعية: هل آن الأوان لنهج جديد في الأردن؟

    بقلم: علي سليمان الدرادكة

    بالرغم من أن التشريعات المالية والضريبية قطعت خطوات مهمة نحو تعزيز الشفافية وتوسيع قاعدة الإيرادات العامة، إلا أن العلاقة بين الضريبة والمسؤولية الاجتماعية ما تزال بحاجة إلى إعادة نظر لتواكب التطورات الدولية وتلبي احتياجات المجتمع الأردني.

    الضريبة: مورد أساسي لا غنى عنه

    تشكل ضريبة الدخل أحد الأعمدة الأساسية لتمويل الموازنة العامة، حيث تعتمد الحكومة الأردنية بشكل كبير على إيراداتها لتغطية النفقات المتزايدة، بما في ذلك الرواتب والخدمات والبنية التحتية والمشاريع التنموية. وقد نص قانون ضريبة الدخل رقم (34) لسنة 2014 في مادته السادسة على أنه "يجوز للمكلف تنزيل المصاريف المقبولة بما في ذلك المصاريف…"، مع إشارة واضحة إلى إمكانية خصم بعض النفقات الضرورية والمصرح بها من الدخل الخاضع للضريبة.
    ومع التعديل الذي أدخله قانون رقم (38) لسنة 2018، تم توسيع نطاق المصاريف المقبولة وتحديد الشروط والإجراءات اللازمة لتنزيلها، بما يشمل المصاريف التشغيلية والإدارية، فوائد القروض، المخصصات المحاسبية، ومصاريف تتعلق بالعمال والتدريب والتسويق. ومن بين هذه المصاريف، تُدرج التبرعات التي يقدمها المكلف لجهات محددة مثل الحكومة، البلديات، الجامعات الرسمية، والجمعيات الخيرية المسجلة، ما يمنح الشركات فرصة لربط جزء من إنفاقها المجتمعي بالمنظومة الضريبية. ومع ذلك، يظل هذا الإطار محدوداً وموجهاً وفق ضوابط القانون، ولا يغطي المسؤولية الاجتماعية بالشكل الشامل الذي يتضمن المشاريع التنموية أو البيئية خارج نطاق التبرعات المصرح بها.

    المسؤولية الاجتماعية: مفهوم أشمل

    في المقابل، فإن المسؤولية الاجتماعية للشركات لا تقتصر على التبرعات النقدية أو العينية، بل تشمل طيفاً واسعاً من الأنشطة والممارسات التي تضع المجتمع والبيئة في قلب العملية الإنتاجية. فهي تتعلق بالتزام الشركة بتوفير بيئة عمل آمنة، وتدريب العاملين، والحفاظ على البيئة، ودعم التعليم، وتمويل المشاريع التنموية التي تعود بالنفع على المجتمعات المحلية. أي أن المسؤولية الاجتماعية تتجاوز الطابع الخيري لتصبح جزءاً من استراتيجية أعمال طويلة المدى.

    ورغم أن العديد من الشركات الأردنية، خاصة البنوك والشركات الكبرى المدرجة في البورصة، بدأت تنشر تقارير استدامة أو تبرز مساهماتها المجتمعية، إلا أن هذا الإفصاح ما يزال طوعياً في الغالب، ولا يترتب عليه حوافز ضريبية مباشرة. هنا يظهر الخلل: إذ كيف يمكن تحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة على الانخراط بفعالية في برامج المسؤولية الاجتماعية إذا لم يكن لذلك أثر ملموس على التزاماتها المالية؟

    الفجوة القائمة

    الملاحَظ أن قانون الضريبة لم يتبنَّ تعريفاً شاملاً للمسؤولية الاجتماعية، بل اكتفى بالتركيز على بعض أشكال التبرعات. هذا التوجه جعل مساهمة الشركات في قضايا الاستدامة والبيئة والتعليم والصحة خياراً طوعياً أكثر من كونه واجباً مرتبطاً بامتيازات أو التزامات ضريبية. والنتيجة أن عدداً محدوداً من الشركات الكبرى يواصل الاستثمار في هذا المجال بدافع من صورتها المؤسسية أو متطلبات البورصة، بينما تغيب المشاركة الفاعلة للغالبية العظمى من المؤسسات.

    التجارب الدولية

    على الصعيد العالمي، تبنت بعض الدول تشريعات متقدمة في هذا المجال. فالهند مثلاً ألزمت الشركات التي تتجاوز أرباحها سقفاً معيناً بتخصيص نسبة مئوية من أرباحها السنوية لبرامج المسؤولية الاجتماعية. أما في دول أخرى، فقد تم ربط المسؤولية الاجتماعية بالحوافز الضريبية؛ بحيث تمنح الشركات إعفاءات أو تخفيضات إذا أنفقت على مشاريع تنموية أو بيئية معتمدة من قبل الدولة.

    هذه النماذج تعكس قناعة متزايدة بأن المسؤولية الاجتماعية ليست ترفاً أو نشاطاً علاقاتياً، بل استثماراً مباشراً في استدامة الاقتصاد والمجتمع.

    نحو رؤية أردنية جديدة في ضوء التحديث الاقتصادي

    مع انطلاق الأردن في مرحلة تحديث اقتصادي تستهدف تعزيز الاستدامة، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في التنمية، يصبح من الضروري إعادة النظر في الإطار التشريعي لضمان توازن متكامل بين الالتزام الضريبي والمسؤولية الاجتماعية للشركات. وفي هذا السياق، يمكن اقتراح عدة خطوات عملية:

    1. توسيع نطاق المصاريف المقبولة ضريبياً لتشمل إنفاق الشركات على التعليم والتدريب المهني، ودعم الابتكار، وحماية البيئة، والاستثمار في الطاقة المتجددة، إضافة إلى المشاريع التنموية في المجتمعات المحلية، بما يتماشى مع رؤية الأردن للإعوام القادمة في تحقيق التنمية المستدامة.
    2. منح حوافز ضريبية للشركات التي تقدم تقارير استدامة معتمدة، تكشف عن برامجها الاجتماعية والبيئية، بما يعزز الشفافية ويشجع القطاع الخاص على الاستثمار في برامج طويلة الأمد تخدم المجتمع والاقتصاد على حد سواء.
    3. التدرج في الإلزام: بدءاً من القطاعات الكبرى مثل البنوك وشركات الاتصالات، وصولاً إلى الشركات المتوسطة، مع مراعاة حجم النشاط والأرباح، لضمان تطبيق سلس وعادل لا يثقل كاهل الشركات الصغيرة.
    4. إنشاء صندوق وطني للشراكة المجتمعية تموله الشركات جزئياً كبديل للتبرعات العشوائية، على أن يتم تنزيل مساهماتها منه ضريبياً، بما يضمن توجيه الاستثمارات المجتمعية نحو مشاريع ذات أثر مستدام ومحدد.
    لقد حان الوقت لإعادة التفكير في العلاقة بين الضريبة والمسؤولية الاجتماعية في الأردن، ليس كخيار تشريعي محدود، بل كاستراتيجية وطنية متكاملة. فالضريبة تبقى حقاً للدولة وواجباً على المكلف، بينما تمثل المسؤولية الاجتماعية للشركات التزاماً أخلاقياً وتنموياً تجاه المجتمع. إن اعتماد مقاربات تجمع بين الالتزام الضريبي والمساهمة المجتمعية يمكن أن يحوّل المسؤولية الاجتماعية من خيار طوعي إلى عنصر فاعل في تعزيز النمو الاقتصادي والمجتمعي، ويربط الإصلاحات الضريبية بالتنمية المستدامة، بما يتماشى مع أهداف التحديث الاقتصادي وروىء جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله،حيث ان هذا الدمج لا يعزز العدالة فحسب، بل يحفّز القطاع الخاص على لعب دور نشط في التنمية، ويقوّي الثقة بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص على حد سواء.






    [11-09-2025 03:06 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع