الرئيسية
أحداث دولية
أحداث اليوم - يشكل محور فيلادلفيا عقدة الحل في المفاوضات المقبلة بين الفلسطينيين وإسرائيل عبر الوسطاء، فإسرائيل تريد السيطرة عليه، والمقاومة الفلسطينية تعتبره الشريان الوحيد للاتصال بالعالم الخارجي، ومصر تعتبر سيطرة إسرائيل على هذا الشريط الحدودي مقدمة لخنق قطاع غزة، ودفع الفلسطينيين للهجرة الطوعية، وهذا مرفوض مصريًا.
يسود اعتقاد راسخ لدى شريحة واسعة من النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية أن على إسرائيل إدامة سيطرتها على محور فيلادلفيا، أو تحويله إلى منطقة عازلة، وبالتالي إدامة السيطرة عليه.
في هذا السياق قال وزير الدفاع الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" إن محور فيلادلفيا "سيبقى منطقة عازلة"، بينما أكد وزير الطاقة الإسرائيلي "إيلي كوهين" أن إسرائيل لن تنسحب من المحور الحدودي بين قطاع غزة ومصر إلا بعد إعادة المختطفين وإسقاط حماس وإخلاء غزة من السلاح والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع.
لكن لحركة حماس موقف مختلف، فقد قالت إن الحديث عن إبقاء محور فيلادلفيا "منطقة عازلة"، يعتبر "انتهاكا واضحا لاتفاق وقف إطلاق النار، ومحاولة لاختلاق الذرائع لتعطيله وإفشاله".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد قال سابقًا إن منطقة "محور فيلادلفيا" الحدودية بين غزة ومصر ينبغي أن تكون تحت سيطرة إسرائيل، معبرًا عن اعتقاده بأن حرب إسرائيل في غزة وجبهات أخرى في المنطقة ستستمر لشهورعديدة.
نتنياهو، وخلال مؤتمر صحفي، قال إن "محور فيلادلفيا، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية (في غزة)، يجب أن يكون تحت سيطرتنا، يجب إغلاقه، من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه".
وتسيطر إسرائيل على المحور، الذي يعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية، كما يمثل معبراً ثلاثي الاتجاهات بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة يمتد على مسافة 14 كيلومترا، ويعتبر رفض إسرائيل الانسحاب منه تحديًا مباشرًا لمصر.
إذ يبدو أن مخاوف "تصاعد التوتر" بين البلدين تتحول إلى حقيقة، فالعلاقة بين مصر وإسرائيل تشهد توترًا كبيرًا، وهذا التوتر يظهر جليًا في عدة مواقف، منها الموقف من محور فيلادلفيا.
إسرائيل تؤمن بأن المحور الحدودي مع مصر هو بوابة حماس الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر أنفاق تمُرّ تحته، لكن مصر ترى أن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب يمر عبر أراضيها.
هذا الخلاف بين البلدين الموقعين على اتفاقية سلام بدأ في الخفاء، لكن التصريح الإسرائيلي، نهاية العام الماضي، المعلن بضرورة احتلاله عسكريا - صعد به إلى السطح.
وكان الرئيس المصري قد رفض سابقًا تلقي مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بحسب ما نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية آنذاك.
بعد تلك الخطوة بساعات خرجت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تثمن الموقف المصري الرافض للوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، وتؤكد أهمية الموقف المصري الداعم للشعب الفلسطيني.
رفض مصر للخطط العسكرية الإسرائيلية كان بلهجة حادة، تمثل في بيان عن الهيئة العامة للاستعلامات، الجهاز الحكومي المسؤول عن الإعلام الأجنبي في مصر، نفى "الادعاءات الباطلة" حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية عبر أنفاق زعمت إسرائيل وجودها على جانبي الحدود.
وأشار البيان إلى الجهود المصرية للقضاء علي هذه الأنفاق حتى تم القضاء على 1500 نفق كانت تستخدم لتهريب المقاتلين والأسلحة لتنفيذ عمليات إرهابية في سيناء، ذلك عقب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين عام 2013 و حتى عام 2020، كما تم عمل منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات من مدينة رفح المصرية و حتى الحدود مع غزة، بحسب البيان.
وأرجع البيان إطلاق إسرائيل هذه الاتهامات إلى محاولتها خلق شرعية لاحتلال ممر صلاح الدين المعروف بممر فيلادلفيا.
كما أكد البيان أن مصر قادرة على "الدفاع عن مصالحها" حال قيام إسرائيل بأي تحرك في هذا الاتجاه.
لكن؛ لماذا كل هذا الاهتمام بمحور فيلادلفيا؟
وما هو محور فيلادلفيا؟
جغرافيًا يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، بطول 14 كم من البحر المتوسط شمالا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا.
بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، هذا المحور هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة "فك الارتباط".
وفي نفس العام وقّعت إسرائيل مع مصر بروتوكولًا سُمي "بروتوكول فيلادلفيا"، لا يلغي أو يعدل اتفاقية السلام، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة، لكن البروتوكول سمح لمصر بنشر 750 جنديًا على امتداد الحدود مع غزة، وهي ليست قوة عسكرية بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود.
بعد عامين سيطرت حركة حماس على القطاع، ومع تضييق الخناق الإسرائيلي على غزة تجاوز الفلسطينيون هذا الممر والسياج الحدودي ليعبروا إلى الجانب المصري. ومنذ ذلك الوقت، أحكمت مصر قبضتها الأمنية على هذا الشريط الحدودي.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تريد إسرائيل من هذا المحور؟
على مدار سنوات حُفرت المئات من الأنفاق أسفل هذا الشريط الحدودي، خاصة مع تضييق الخناق على القطاع المحاصر الذي يحيط به البحر شمالًا وإسرائيل شرقًا وجنوبًا، ومصر غربًا.
مثلت هذه الأنفاق شريان حياة لسكان القطاع الذين يقدرون بنحو 2.3 مليون نسمة.
على طول هذا الشريط الحدودي بين الجانبين الفلسطيني والمصري لا يوجد سوى بوابة رئيسية واحدة ، وهي معبر رفح البري، الذي يمثّل المنفذ الرئيسي والوحيد المتبقي للغزيّين على العالم الخارجي، لا سيما بعد أن أغلقت السلطات الإسرائيلية جميع المنافذ الستة بين قطاع غزة وجنوبي إسرائيل منذ بدء الحرب.
تعرض الجانب الفلسطيني من معبر رفح إلى القصف الإسرائيلي عدة مرات بحسب ما ورد على لسان مسؤولين مصريين.
ووجهت الإدارة المصرية تحذيرا متكررا شديد اللهجة لإسرائيل من أي عمليات عسكرية في المنطقة العازلة خاصة بعدما أصابت إسرائيل بـ"الخطأ" - كما قالت - جنودا مصريين بالقرب من معبر كرم أبو سالم
ويرى مراقبون أن سيطرة إسرائيل على فيلادلفيا، تتطلب توقيع بروتوكول ملحق باتفاقية السلام، مماثل للذي تم إقراره عام 2005 بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة.
الموقف المصري لم يُعلن رسميا من تلك الخطط الإسرائيلية، ويتوقع مراقبون أن الإدارة المصرية الحالية ستتحفظ "سياسيا"، باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية. إذ أن انتقال إدارة الجانب الفلسطيني من هذا الشريط الحدودي إلى إسرائيل يعني السيطرة على معبر رفح الذي يُعد حاليًا المنفذ الوحيد إلى القطاع الذي يقع خارج سيطرة إسرائيل، بموجب اتفاقية المعابر، وهو ما قد يضيق الخناق على الفلسطينيين.
وتخشى مصر من أن سيطرة إسرائيل على فيلادلفيا "سيطبق أسوار السجن المفتوح" في غزة، وهو ما سيدفع سكان القطاع للهجرة الطوعية خارجه، في نهاية المطاف.



