الرئيسية
أحداث دولية
أحداث اليوم - ظل نظرية "وحدة الأصل المشترك لليهود" تشكل لدولة إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 هاجسًا يؤرقها، لذا سعت بالوسائل شتى لحظر أي أداة أو وسيلة أو منشور أو فكرة أو كتاب أو إجراء لدحض مزاعمها المتعلقة بأصل اليهود، وأبرزها فحص الحمض النووي الـ DNA الذي برز في السنوات الأخيرة، بوصفه حاسمًا في تحديد العلاقات القرابية، وصحة الأنساب والجذور العرقية.
وكشفت مصادر علمية إسرائيلية، وفق تقارير صحافية منشورة، مقدار حرص الحكومات الإسرائيلية على مدار سبعة عقود، وقبل ذلك الوكالة اليهودية على مسألة "النقاء العرقي"، لتأكيد "السردية اليهودية"، التي استندت إليها الحركة الصهيونية في سعيها لبناء "وطن وقومي لليهود في فلسطين". إذ ظلت فكرتا "شعب الله المختار" و"أرض الميعاد" تشكلان القاعدة الإيديولوجية للحركة الصهيونية، وهما فكرتان، بالضرورة، يتطلبان "نقاءً عرقيًا.
ظلت التحديات التي تواجه دولة إسرائيل بخصوص المحافظة على فكرة "النقاء العرقي" قابلة للسيطرة والحيلولة دون دحضها. لكن؛ متغيرًا جديدًا طرأ على هذا الملف، وفرض على دولة إسرائيل مزيد من إجراءات الحماية، يتمثل في اكتشاف "البصمة الجينية" أو "الحمض النووي" أو الـDNA، والبدء عام 1986 بإجراء فحص الحمض النووي للأشخاص.
ولما كانت عملية إجراء اختبار الحمض النووي متاح أمام عامة الإسرائيليين ، سعت سلطات الاحتلال لتحديدها، وعملت على عدم تيسير أدوات هذه الاختبارات في المتاجر، وحصرتها تحت سيطرة الحكومة الإسرائيلية، وفرضت رقابة مشددة عليها.
ونظرًا لتعدد الأعراق والإثنيات في الدولة الواحدة في معظم من دول العالم، فإن هذه الفحوص لم تشغل اهتمام الشعوب ولا الحكومات، لكن الأمر مختلف تماما في "،إسرائيل"، ففي عام 2000 صدر قانون المعلومات الوراثية الإسرائيلي.
وينصّ القانون في أحد بنوده على اشتراط الحصول على أمر من المحكمة المختصة قبل إجراء هذه الفحوص، على أن لا تُسلَّم نتائج الفحص إلا للمحكمة التي أصدرت الأمر حصرًا، ولا يتم تقديمها مباشرة للأفراد المعنيين أو لمحاميهم.
يظهر هنا تناقض في استغلال اختبارات الحمض النووي في الداخل "الإسرائيلي"، فبينما تشدد السلطات الحكومية على عامة الإسرائيليين إلى حد يصل إلى الحظر إجراء مثل هذا النوع من الاختبارات حتى لا تؤدي لتفكيك عُرى المجتمع "الإسرائيلي"، وإثبات فشل المقولات والنظريات التي تشدد على وحدة التاريخ والجغرافيا والمصير، ومن ثم "النقاء العرقي"، فإن السلطات الدينية لا تقبل إصدار الهوية الدينية اليهودية إلا بعد التحقق من خلال اختبار الحمض النووي.
وتمتلئ المكتبات العامة والأكاديمية لدى الاحتلال بأبحاث تندرج تحت مسمى "علم الوراثة لليهود"، إذ تتفق جميعها على تقديم اليهود بأنهم عرق واحد، ينتمي لأصول شرق أوسطية مشتركة، في محاولة لإثبات إحدى الأساطير المتأصلة في الفكر الصهيوني، بأن "اليهود شعب واحد رغم التشتت، تجمعه رابطة عرقية متجذرة في أصل أسلافه المشترك من اليهود الأصليين في يهودا القديمة".
في 2019، أكدت صحيفة جيروزاليم بوست، أنه في الوقت الذي يَسهل فيه على المواطنين حول العالم إجراء اختبارات الحمض النووي DNA، فإن إجراء مثل هذه التحاليل في إسرائيل يحتاج إذنًا خاصًا من المحكمة.
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أنه رغم توفر الوسائل والأدوات المطلوبة لإجراء تحاليل مماثلة، وخصوصا لشركات أمريكية متخصصة تقدم خدماتها عن بعد من خلال إرسال العينات اللازمة بالبريد أو عبر الإنترنت، فإن ذلك محظور تمامًا في إسرائيل قائلة: "يمكن أن تحمل هذه الاختبارات آثارًا وطنية، كون إسرائيل دولة دينية يهودية معترف بها".
وأردفت "جيروزاليم بوست" بأن إسرائيل متخوفة من أن تؤدي نتائج هذه الاختبارات والتحاليل إلى نسف الأسطورة الصهيونية الأساسية التي قامت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي مزاعمها بأن "اليهود ينتمون إلى عرق واحد".
وفي عام 2019 نُقل عن صحيفة ليبيراسيون الفرنسية أن "أفيغدور ليبرمان"، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني، اشترط مع حزبه من أجل الانضمام إلى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فرض حظر على اختبارات الحمض النووي التي تجريها الحاخامية الإسرائيلية للتحقق من الهوية اليهودية، واصفًا هذه الممارسات بأنها شكل من أشكال "التمييز المؤسسي".
ربطت الصحيفة، هذا المطلب بتمثيل "ليبرمان" لليهود المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، حيث يعاني كثير منهم صعوبة الحصول على الهوية اليهودية الرسمية، التي تتطلب اعتراف الحاخامات المتشددين.
وأوضحت ليبيراسيون، أن فهم هذه المسألة يقوم وفق التصورات اليهودية التي تفرضها السلطات الدينية الخاضعة لسيطرة التيار المتشدد من كبار الحاخامات.
ومن المعلوم أن الحصول على جواز سفر إسرائيلي يستلزم استيفاء شروط "قانون العودة" الذي أقرته الدولة اليهودية عام 1950، والذي يمنح الحق في الهجرة لأي شخص لديه جد يهودي واحد على الأقل، ورغم ذلك فإن الحاخامات المتشددين لا يعترفون باليهودية إلا وفق معايير "دينية بحتة"، حيث يُعتبر اليهودي، وفق تفسيرهم، من وُلِد لأم يهودية أو من اعتنق اليهودية وفق الطقوس الصارمة لأشد التيارات الدينية تشددا.
وتناول الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" مسألة "النقاء العرقي" وأسباب ترويجهم لها، حيث تقوم هذه النظرية على الاعتقاد بأن المجموعات اليهودية المختلفة حافظت على صفائها العرقي عبر الأزمنة المختلفة وفي كافة المجتمعات، دون أن تتداخل مع الأعراق الأخرى.
وهي الفكرة التي طالما استخدمها المناهضون لليهود للإشارة إلى انعزالهم المقصود وخطرهم المزعوم، ويرى "هوستون تشامبرلين" الفيلسوف الألماني البريطاني أن هذه العزلة العرقية هي مكمن قوتهم، لكنها في الوقت نفسه السبب في كونهم غرباء عن الشعوب الأخرى.
ويرى عبد الوهاب المسيري أن الصهاينة تبنوا هذا المفهوم لتبرير مطلبهم بإنشاء وطن قومي لليهود، مؤكدين أنه يجب أن يكون يهوديًا بقدر ما إنجلترا إنجليزية وفرنسا فرنسية، بحيث يعيش فيه شعب يتميز بخصوصية عرقية منفصلة عن بقية الأمم، ومن ثم سعى العديد من الباحثين الصهاينة إلى إثبات هذه الفرضية، وكان عالم الاجتماع الصهيوني "آرثر روبين" من أبرزهم، إذ قدّم في كتابه "اليهود في الوقت الحاضر" تحليلًا مدعمًا بمصادر عديدة.
ومن بين تلك المصادر التي ذكرها "آرثر" كتابات العالم "إغناتز زولتشان"، الذي وصف اليهود بأنهم "أمة من الدم الخالص"، وقد أكد "زولتشان" أن "حظر الزواج المُختلَط في اليهودية قد أدَّى إلى عدم اختلاط اليهود بأجناس لم تحافظ على نقائها بالدرجة نفسها".
"روبين" قدم نفسه تعريفًا عرْقيًا لليهود فبيَّن أنهم استوعبوا عناصر عرْقية أجنبية بدرجة محدودة، ولكنهم في أغلبيتهم يمثلون جنسا متميِّزا، على خلاف الحال في دول وسط أوروبا.
وهذا السياق، علقت كتائب الشهيد عز الدين القسَّام عبارة "الأرض تعرف أهلها.. من الأغراب مزدوجي الجنسية"، خلال مراسم تسليم أسرى الاحتلال يوم السبت الماضي في النصيرات
ورأى النشطاء والمحللون أن التفسير الأقرب لهذه العبارة هو أنه خلال عملية "طوفان الأقصى"، أسرت القسام عددا من "الإسرائيليين" الذين يحملون جنسيات مزدوجة، من دون معرفة عددهم. وهم يمثلون نموذجًا أو عينة للمجتمع الإسرائيلي الذي يحتفظ عدد كبير من مواطنيه بجنسيات أخرى إلى جانب الإسرائيلية.
وحسب تقديرات إسرائيلية نشرت العام الماضي، فإن هناك أكثر من مليون مستوطن في "إسرائيل" يحملون جنسيات أجنبية، معظمهم من المواطنين الأوروبيين أو الأميركيين.
ويذكر، أن أكثر من نصف مليون إسرائيلي يحملون حاليًا جنسية أوروبية مزدوجة بالإضافة إلى الجنسية الإسرائيلية، وفقًا لوقع "ماكور ريشون" "الإسرائيلي".
ويمتلك أكثر من مليون "إسرائيلي" جواز سفر أجنبيًا، وإلى جانب نصف المليون "إسرائيلي" الذين يحملون الجنسية الأوروبية، هناك نحو نصف مليون إسرائيلي آخرين يحملون جنسيات أجنبية إضافية، نصفهم أميركية.
وتهدف الرسالة لدحض الرواية الصهيونية التي قدمت الإسرائيليين "كيهود عادوا إلى أرض الميعاد (فلسطين).
وفي المقابل، يرفض الفلسطينيون خطط التهجير من أرضهم والتخلي عن هويتهم الفلسطينية الوحيدة.



