الرئيسية
أحداث دولية
أحداث اليوم - من المنتظر أن تشكل زيارة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" ورئيس الوزراء البريطاني "كير ستارمر" هذا الأسبوع إلى واشنطن فرصة لأوروبا للاستماع إلى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وهو يتحدث بشكل مباشر إلى زعمائها عن مستقبل علاقة القارة العجوز مع أمريكا، واختبار نوايا "ترامب" تجاه أوكرانيا، ومستقبل الحرب فيها، ونواياه تجاه روسيا، وقبل هذا وذاك ما هو مصير حلف شمال الأطلسي "الناتو".
بالنسبة للزعماء الأوروبيين، لم يعد سلوك "ترامب" وتصريحاته الخارجة عن مألوف السياسة الأمريكية مجرد "كلام في السياسة" وتوجهات يمكن مناقشتها مع الحليف الاستراتيجي المؤتمن، بل هي "صواعق" تهبط على رؤوسهم، تثير فيهم مخاوف كبرى، ظلت مختبئة منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط 2022 تحت قشرة المواقف التقليدية لواشنطن تجاه روسيا والصراع التاريخي مع أوروبا.
ما يقوم به "ترامب"، وفق تحليلات صحافية منشورة في وسائل إعلام غربية، لم يعد مجرد اختلافات حول الموقف من الحرب في أوكرانيا، بل وصلت، كما جاء في مقال منشور على شبكة CNN الأمريكية، إلى "مهمة" غير عادية، تتمثل في "تفكيك" النظام العالمي، الذي أمضت الولايات المتحدة الأمريكية ثمانين عامًا على بنائه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
نظريًا، كان زعماء الغرب، وبشكل رئيسي دبلوماسية الدول الأوروبية، منذ انتخاب "ترامب" لولاية جديدة، يشعرون أنهم يعرفون كيفيفة التعامل مع "ترامب"، لجهة أنه أمضى ولايته الأولى يصنع سياساته الخارجية من خلال تغريداته، غير أن رؤيتهم الرئيس الأمريكي يحمل فأسًا ويحاول تحطيم ما بناه الغرب خلال ثمانية عقود، دفعهم للتداعي لحضور اجتماع طارىء في باريس الأسبوع الماضي لمناقشة التهديدات الاستراتيجية التي تواجه القارة العجوز.
كشفت تصريحات "ترامب" بشأن أوكرانيا، وانحيازه المباشر لصالح روسيا، وسعيه لطرد الرئيس الأوكراني "فلاديمير زيلينسكي" من السلطة، مقدار هشاشة الموقف الأوروبي، ومدى اعتماده على واشنطن، وهو ما يغري روسيا، وفق مراقبين أوروبيين، لرفع درجة توقعاتها تجاه أوروبا، واندفاع رئيسها "فلاديمير بوتين" لفرض شروطه على أوروبا، وبالتالي تفكيك الاتحاد الأوروبي، وتحقيق أحلام روسيا منذ قياصرتها ببناء الأتحاد الأوراسي، وهو ما سيتقاطع مع مشروع الصين "الحزام والطريق"، وإخراج القارة العجوز من خارطة "الفِعل" والتأثير في السياسات العالمية.
نائب الرئيس الأمريكي "جي دي فانس" سافر الأسبوع الماضي إلى ميونيخ، حيث انتقد فيها الزعماء الأوروبيين ووصفهم بأنهم "طغاة" يقمعون الفكر المحافظ، وضغط على ألمانيا لحملها على تفكيك "جدار الحماية" السياسي الذي أقامته لضمان عدم تمكن الفاشيين من الفوز بالسلطة مرة أخرى. الأمر الذي زاد من مخاوف الزعماء الأوروبيين من نوايا "ترامب".
في الوقت نفسه، أخبر وزير الدفاع "بيت هيغسيث" الأوروبيين أنهم بحاجة الآن إلى "تولي مسؤولية الأمن التقليدي في القارة"، مما يلقي بظلال من الشك الفوري على العقيدة التأسيسية لحلف شمال الأطلسي المتمثلة في الدفاع المتبادل عن النفس، ومستقبل هذا الحلف الذي شكل، على مدى ثمانين عامًا، الجدار المنيع لحماية أوروبا، لكن بعصا وتمويل أمريكي.
أمريكا في عهد "ترامب" في ولايته الثانية لم تعد تولي اهتمامًا بسياساتها التقليدية، بل ترفضها، صحيح أن أمريكا تبقى القوة الأقوى في العالم، إلا إنها لم تعد تتمتع بالقوة التي يمكنها أن تجبر الآخرين -الصين مثالًا – على اتباع قواعدها، بل إن لدى أمريكا اليوم رئيس لا يتمتع بأي درجة من الالتزام بالقواعد الاقتصادية والسياسية المعروفة، ويهدد بضم كندا على سبيل المثال.
ليس هذا فحسب، بل إن الإدارة الجديدة تسعى بنشاط إلى زعزعة استقرار الديمقراطيات الصديقة وتغذية حركة عالمية من الشعبوية اليمينية. وحذر خطاب "فانس" في ميونخ من أن الحكومات الأوروبية تهدد أمنها أكثر من الصين أو روسيا بسبب سياساتها بشأن حرية التعبير والهجرة. بل إن "فانس" التقى بزعيم حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حزب يميني متشدد في ألمانيا ذو جذور نازية جديدة، وسعى إلى تعزيز الأحزاب اليمينية المتطرفة في أماكن أخرى والتي تتحدى الحكومات في فرنسا وبريطانيا على سبيل المثال.
ماذا تستطيع أوروبا أن تفعل الآن بعد أن أصبحت أميركا ــ الدولة التي أعادت بناء القارة من رماد الحرب العالمية الثانية ــ قوة معادية بشكل علني؟
الواقع في أوروبا، وفق وكالات أنباء أوروبية، صعب للغاية، بل إن حكومات أوروبية تكافح بالفعل لتحقيق التوازن في دفاترها، وتتعرض لضغوط شديدة للحفاظ على نفسها كدولة الرفاه الاجتماعي. إن بعض الدول في جوار موسكو - مثل بولندا ودول البلطيق - تدرك التهديد الروسي جيدًا، لكن بعض دول أوروبا الغربية الأصغر حجمًا ترى أن الخطر أبعد. ويضم الاتحاد الأوروبي الآن بعض القادة الذين يرغبون في مساعدة "ترامب" في القيام نيابة عن "بوتين" بتقسيم التحالف الغربي، كرئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان".
إذن؛ في غضون 32 يومًا فقط من تولي "ترامب" منصبه، غيَّر العالم بالفعل.



