الرئيسية
تقارير
أحداث اليوم - سيف الدين القومان
أعلن المتنبؤون الجويون قرب وصول كتلة هوائية قطبية سماء المملكة، وأطلق عليها ناشطون اسم "جلمود"، مذكرين ببيت الشعر في معلقة إمرؤ القيس:
مِكرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدْبِرٍ معًا
كجُلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من علِ
وهنا يصف أمرؤ القيس فرسه بـ"جلمود" الصخر، و"الجلمود" هو الصخرة العظيمة، وفرسه تنقض بقوة كأن السيل ألقاها من مكان مرتفع.
على أية حال؛ بغض النظر إن كان التشبيه مناسبًا أم غير ذلك، فالاسم ارتبط بالكتلة الهوائية القطبية التي حطت أنباؤها على الناس من فوق بسرعة فرس إمرؤ القيس، فهبطوا بسرعة الفرس نفسها إلى الأسوق، لشراء احتياجاتهم العادية المتوفرة والمتاحة على مدار الساعة في الأسواق. لكنها؛ "الغريزة"، كما يعلق المتسوق محمود، الذي كان يحمل عددًا هائلًا من الأكياس وهو خارج من أحد المولات، وقال بسرعة، حينما سأله مندوب "أحداث اليوم": هل اشتريت كل هذه الأغراض للتحضير لـ"الجلمود"، أم أنت غالبًا ما تشتري احتياجات أسرتك بكميات كبيرة، لتكفيك مدة طويلة؟
محمود: كلا أنا غالبًا اشتري احتياجات أسرتي يومًا بيوم، لكن مجرد أن سمعت عن "الجلمود" حتى تدبرت أمري، واستدنت مئة دينار وهرعت إلى المول، واشتريت كل ما نحتاجه لنستقبل "الجلمود" ونحن مستعدون.
حكاية محمود مع "الجلمود" ليست استثناءً، فمن هبط إلى الأسواق، وتجول فيها خلال الأيام الثلاثة الماضية، لاحظ مقدار الإقبال على شراء السلع، وهو ما رصده مندوب "أحداث اليوم" خلال جولته على الأسواق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: هل السلع متوفرة بكميات تكفي احتياجات الناس، وإن كانت كذلك، لماذا هذا "الهلع" في التسوق، وكأن الأسواق ستغلق أبوابها خلال مرور "الجلمود"؟
لكن أمين، وهو مواطن "شكاك"، كما يصف نفسه، يقول إن التنبؤات الجوية، مثلها مثل غيرها من المتغيرات التي يتوقع حدوثها في المستقبل، وفق معايير وأسس علمية، جرى اختبارها، غير أن المشكلة في استثمار هذه التنبؤات لرفع معدلات بيع السلع، ويقول إن الأسواق تنشط كلما شعر المواطنون بقرب وقوع شيء مفاجىء أو قدوم مناسبة ما، كما هو حال شهر رمضان، ولعل ترافق الحديث عن "الجلمود" مع "نزول" رواتب الموظفين والمتقاعدين واقتراب الشهر الفضيل، زاد في تحريك الأسواق، ورفع من معدلات البيع والشراء.
ويقول التاجر واصف عبدالهادي إنها عادة الناس، كلما علموا بأن الأحوال الجوية تشي بانخفاض في درجات الحرارة، وباحتمالية تساقط الثلوج، تتحرك لديهم مخاوف، لا أعرف ما هو مصدرها، فيقبلون على شراء ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه.
السؤال الآخر، الذي يلح، ويستدعي الإجابة عنه بوضوح، يتعلق بمقدار صوابية التنبؤات الجوية، ونسبة الخطأ فيها، لجهة أن بعض الناس ما أن تأخر وصول "الجلمود"، الذي كان من المفترض، وفق التنبؤات، أن يصل أمس أو في ساعات صباح السبت، أخذوا يغمزون من قناة التنبؤات، برغم أن المتنبئين لم يقولوا، يومًا، إن ما يتنبؤون به دقيق 100%، ناهيك عن متغيرات مفاجئة قد تطرأ في أي لحظة تغير من مسارات الكتل الهوائية، فتتغير التنبؤات.
مستشار الأرصاد الجوية في "طقس العرب" الدكتور جمال الموسى ينفي وجود "تضخيم" للتنبؤات الجوية، والحديث عن "تضخيم" غير مقبول بتاتًا، مشيرًا إلى أن التغيرات الجوية واردة الحدوث في الغلاف الجوي، لأنه فضاء مفتوح.
وقال إن دقة التنبؤات الجوية تتفاوت، حسب الفترة الزمنية، فكلما كانت الفترة أقصر، زادت دقة التوقع، إذ إنها تصل إلى 95% خلال ثلاثة أيام، وتنخفض إلى 90% خلال خمسة أيام، وقد تنخفض أكثر في الحالات الجوية الحرجة.
الموسى يتذكر خلال حديثه لـ"أحداث اليوم": المنخفضات الجوية التي حدثت في الماضي، فيقول إن التوقعات كانت دقيقة بنسبة 100% في بعض الأحيان وأقل في حالات أخرى. وأكد أن نسبة الخطأ في التوقعات أمر طبيعي في هذا المجال، كونه جزءًا من طبيعة عمل الأرصاد الجوية. وأضاف أن جميع مراكز الأرصاد الجوية في العالم تتعامل مع نسبة من الخطأ، لكنها تتقلص كلما كانت الفترة الزمنية للتنبؤ أقصر، مشيرًا إلى أن التنبؤات الجوية تتأثر بالعديد من المتغيرات الجوية المعقدة.
وفي هذا السياق، أوضح الموسى أن التغيرات الجوية قد تشهد في بعض الأحيان تعارضًا بين التوقعات، خاصة عندما تكون الحالة الجوية في مرحلة مفترق طرق من التنبؤ، ما يجعل من الصعب تحديد المسار النهائي بدقة، مؤكداً أهمية الواقعية في نقل الحالة الجوية كما هي، وعدم تضخيمها أو تهويلها، مع الأخذ في الاعتبار احتمالية حدوث تغييرات غير متوقعة.
أما بخصوص اقبال المواطنين على شراء كميات من السلع تفوق احتياجاتهم، عند الإعلان عن توقعات بقدوم كتل هوائية باردة واحتمالية هطولات ثلجية: يقول إن هذا الأمر يعتمد على تعزيز ثقافة شرائية لدى الأشخاص في فترات المنخفضات الجوية، فيجب على الفرد أن يشتري احتياجاته الأساسية مع مراعاة الظروف الجوية غير الطبيعية مثل الأمطار الغزيرة، والثلوج الكثيفة، وحالات الانجماد والبرودة الشديدة. في هذه الحالات، لا يوجد داعٍ للمخاطرة أو الخروج أثناء الأمطار الغزيرة التي قد تؤدي إلى الفيضانات وارتفاع منسوب المياه.
وأضاف أن الهدف هو أن تكون احتياجات الشخص الأساسية متوفرة لديه، بحيث يتمكن من التكيف مع الأحوال الجوية الصعبة التي قد تستمر ليومين أو ثلاثة حسب التوقعات الجوية. مؤكدًا بأن الأمر لا يتعلق بتخزين كميات كبيرة، بل بضمان توفر ما يحتاجه الفرد للبقاء في أمان دون التعرض للخطر، سواء له أو للآخرين.
ويقول إن الرسالة الأساسية هي أن الأمر لا يتعلق بالربح أو التخزين المفرط، بل بتقليل المخاطر التي قد يتعرض لها الإنسان في مثل هذه الظروف القاسية.
من جهة اخرى يقول المستشار الاقتصادي أحمد عوض ، إن الشعب الأردني، مثل العديد من شعوب العالم، عادة ما يقوم بتوفير المواد الغذائية الضرورية لعدة أيام تحسبًا لأي طارئ قد يحدث مثل إغلاق الطرق بسبب الانجمادات أو تساقط الثلوج أو حتى الأعياد والمواسم. هذا السلوك يعد طبيعياً ويمثل استعدادًا لأي ظروف قد تؤدي إلى صعوبة الخروج من المنزل. قد تزداد هذه الاستعدادات في فترات معينة، ولكن الأمر يظل سلوكًا استهلاكيًا طبيعيًا في ضوء التوقعات بتقلبات جوية مثل تساقط الثلوج أو انجماد الطرق في الأيام القادمة.
عوض يقدر أن السلوك الاستهلاكي للمواطنين هو سلوك طبيعي وعادي، ومن المتوقع حدوث مثل هذه القضايا. يجب على الناس أن يكونوا مستعدين سواء من حيث توفر المواد الغذائية أو الوقود مثل الغاز والكاز، لضمان تلبية احتياجاتهم من التدفئة وغيرها. لا أعتقد أنه يجب التعامل مع هذه الظواهر كأمور غريبة أو تحتاج إلى دراسة معمقة.
ويرى أنه من الطبيعي وجود جوانب إيجابية، ولكنها إيجابية بشكل مؤقت للأسواق، فالشخص الذي اشترى 5 كيلو خبز الآن، من غير المتوقع أن يشتري نفس الكمية في المستقبل القريب، وكذلك من اشترى 3 أنبوبات غاز لن يحتاج إلى شراء المزيد بمجرد أن تنتهي. هذه الفترات التي تشهد تقلبات جوية أو أعياد أو بداية موسم المدارس، تؤدي إلى زيادة الطلب على الاستهلاك وتحسن القدرة الشرائية في الأسواق.
ويقدر عوض أن الإقبال في الأسواق ليس غير طبيعي، بل هو إقبال عادي. لكن الناس يستعدون للأيام المقبلة، إذ ينبغي على أرباب الأسر تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية تحسبًا لأي فترة تعطل قد تحدث أو لا تحدث. ومع ذلك، لا يتطلب الأمر شراء كميات غير مبررة قد تؤدي إلى تلف السلع أو تؤثر سلبًا على موازنات الأسرة .