الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هل ستشهد بريطانيا انهياراً قريباً في اقتصادها المترنح المثقل بالديون؟


    قد يتساءل البعض لماذا تنهار الحكومات تباعاً في أوروبا مع موعد أقتراب فصل الشتاء القاسي الذي ستشهده الدول الأوروبية هذا العام. كان أخر الإنهيارات هي حكومة رئيسية الوزراء البريطانية ليز تراس التي بقيت في منصبها 44 يوماً فقط، وهي أقصر مدة لرئاسة الوزراء في التاريخ البريطاني. ويرجع سبب استقالتها إلى عدة أسباب مجتمعة ومتعلقة بالأزمة الخانقة التي تخوضها المملكة المتحدة في محاربة تضخم متزايد تشهده البلاد. في حقيقة الأمر تعاني بريطانيا من عجز في ميزانها التجاري، وعجز في موازنتها منذ سنوات طويلة وأعتادت على تغطية العجز بالسماح لتدفق رأس المال الأجنبي إليها وبكميات كبيرة واستمرت على هذا الوضع منذ خمسينات القرن الماضي إلى يومنا هذا، وهو النموذج الذي أصبح غير صالح، وذلك لإن الولايات المتحدة كانت سبّاقة في رفع سعر الفائدة في المصارف الأمريكية منذ اندلاع الأزمات الخانقة الثلاث ازمة الكورونا والازمة العالمية وأزمة الطاقة، فقد سارع الفيدرالي الأمريكي إلى رفع سعر الفائدة على الودائع والتي بلغت نحو 3.25% حالياً في حين أن سعر الفائدة في بريطانيا هو 2.25%، ولهذا فإن هروب الأموال من أوروبا، وبريطانيا بالتحديد، واليابان أصبح باتجاه الولايات المتحدة التي استقر مؤشر التضخم فيها عند 8.3% في حين تجاوز نسبة10.1% في بريطانيا. أحد الحلول التي أقترحتها رئيسة الوزراء ليز تراس كان خفض قيمة الضرائب. ولكن هذا الحل سيؤدي إلى زيادة العجز في الموازنة وبالتالي لا يعتبر حلاً ناجعاً بحد ذاته.
    إن كافة الحلول التي تقدمها الدول الرأسمالية في محاربة التضخم هي حلول مؤقتة وأصبحت هي نفسها تتنازع عليها. فبريطانيا أمام عدة سيناريوهات للحد من التضخم، فالسيناريو الأول، وهو زيادة سعر الفائدة بأكثر مما تدفعه البنوك الامريكية لضمان إعادة تدفق الأموال. هذا الخيار حتى لو تم، هو خيار مؤقت، ولكنه سيكون قادراً على تسديد العجز في الموازنة فقط، في حين أن العجز في الميزان التجاري سيفشل كافة الحلول الرامية لخفض التضخم. أما السيناريو الثاني فهو خفض قيمة الجنيه الإسترليني والذي سيخفض الواردات، ولكنه سيزيد من أسعار السلع المستوردة في السوق المحلي البريطاني، وبالتالي سيزداد التضخم، وقد يكون سبباً في هروب الأموال إالى الخارج مرة أخرى. فلن يتبقى أمام بريطانيا سوى السيناريو الأخير وهوخيار التيسير الكمي بطباعة المزيد من النقود غير المغطاة، وذلك من أجل سد العجز في الموازنة والتغاضي عن الزيادة المطردة في حجم التضخم. فتشير المؤشرات الاقتصادية إلى عدم القدرة في ظل الأوضاع الراهنة من خفض قيمتها بأي طريقة.
    استقالة رئيسة الوزراء لن تحل المشاكل الاقتصادية التي برزت وستتفاقم في الشهور المقبلة. وكل هذه مؤشرات تدل على فشل النظام الرأسمالي العالمي في انقاذ نفسة، وسيقُبل على الانهيار بأسرع مما كان متوقعاً.





    [24-10-2022 01:29 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع