الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هل تفرض أزمة الحرب الاوكرانية واقعاً متمرداً؟


    مهدي حنا
    تتعرض الدول الكبرى في صراعها من أجل المحافظة على مكانتها المميزة على الساحة العالمية لتحديات كثيرة، ويظهر ذلك جلياً في الصراع بين دول المركز الرأسمالي ودول المحيط الرأسمالي التابعة له. فدول المركز الرأسمالي هي الدول الصناعية الكبرى من الإتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة أو حتى روسيا والصين. فهذه الدول جميعها تمثل رأس الهرم في النظام الرأسمالي العالمي المتنفذ والمهيمن على الساحة الكونية. أما الدول التابعة في المحيط الرأسمالي فهي دول نامية أصبح بعضها يحتل مكانة متميزة في تطورها، بعد أن تم نقل الصناعات اليها من الغرب لما تمتع به من ميزات نسبية لجهة أنها تشكل خزاناً بشرياً هائلاً.
    مع اندلاع الحرب الأوكرانية، وهي حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، تواجه كل من موسكو وواشنطن تحديات جمة على صعيد ولاء الدول الصغيرة التابعة لهما، فقد أصبحت هذه الدول الصغيرة تتحرك في هامش من حرية أختيار مدى العلاقة التي تربطها بالدول الأخرى، وفقاً للموازين الدولية وتطور الاحداث السياسية في ظل الأزمات الثلاث المتلاحقة التي تعصف بالعالم: أزمة الكورونا والطاقة والأزمة الاقتصادية، والتي ستفرض واقعاً سياسياً متغيراً سيشهد كثيراً من التبدل في الولاءات على قاعدة المصالح والتوافق الرأسمالي.
    كان رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرتشل قد قال يوماً ما: بإن قاعدة العلاقات الدولية بين الدول لا تعتمد على الصداقات بل المصالح. وعلى هذه القاعدة فستنتقل بعض الدول من المعسكر الأمريكي إلى المعسكر الروسي وهكذا دواليك. ولعل أبرز مثال على ذلك هو الخلاف الأمريكي والضغوطات التي تحاول ان تفرضها الولايات المتحدة على دول أوبك+ بزيادة الإنتاج، وإغراق الأسواق الأمر الذي لم يلاقي استحساناً من دول الأوبك، التي خفضت الإنتاج بالمقابل بواقع مليوني برميل يومياً لدعم روسيا في حرب العقوبات، وللوصول لسعر متوازن بين التسعين إلى المئة دولار للبرميل في ظل الركود الاقتصادي المتوقع في قادم الأيام.
    كان قرار أوبك غير متوقع للغرب، الذي وضع سقفاً لاسعار النفط الروسي في السوق العالمية، فجاء هذا القرار ليقلب موازين الغرب، كما كان الرد الروسي حاسماً في قطع إمدادات النفط عن الدول التي ستدعم وستنضم إلى ذلك ما سيودي حتماً إلى النقص في تلك الامدادات وسترتفع أسعار النفط. وستنعكس سلباً على أوروبا التي تعاني من ارتفاع الأسعار. بالطبع كان هناك فرصة للدول الأخرى المصدرة للنفط من الاستفادة من ذلك وشغل مكانة روسيا، ولكنها رفضت ذلك بتاتاً ، فأسيا أصبحت هي المشتري الرئيسي للنفط العربي والروسي، فإن إعادة توجيه النفط باتجاه آسيا يدر عليها الأرباح . فبدلاً من الاستجابة للضغوطات الامريكية فضلت هذه الدول مصالحها التجارية بالاصطفاف إلى جانب روسيا. كما أصبحت تعي بالضرورة بإن سياسات الولايات المتحدة ليست متزنة، وليست متسقة بقدر كافِ فهي تسعى لتحقيق مصالحها الأنانية على حساب الجميع، وهذا الأمر يبدو لم يعد مقبولاً بالقطع. فلم يستفد العرب كثيراً من الانجرار وراء السياسات الامريكية في السنوات الماضية، التي انعكست سلباً عليها فقد ايدت دول الأوبك سابقاً الولايات المتحدة في مسألة القرم، ووافقت على خفض انتاج النفط بشكل هائل انصياعاً للرغبة الامريكية، التي كانت تسعى لانهيار روسيا بالانخفاض الحاد لأسعار النفط، الذي وصل حد الستين دولاراً للبرميل الذي انعكس سلباً على الدول المصدرة للبترول، وتكبدت خسائر هائلة دعماً للموقف الأمريكي.
    مقابل ذلك كان الغرب والولايات المتحدة المستفيد الأكبر من جراء خفض انتاجه من النفط وشراء النفط الرخيص من الدول العربية. فلم تعد الولايات المتحدة قادرة على توجيه سياساتها وارغام الدول على الانصياع لرغباتها، فقد أصبحت الدول الأخرى قادرة على رفض الإملاءات وعدم الانصياع للموقف الأمريكي وانما تحديد خياراتها وعلاقاتها مع الدول الآخرى ضمن مصالحها الخاصة. فقد نشهد تمرداً لدول المحيط الرأسمالي في عدم الانصياع للرغبات الأمريكية لتكون مقدمة لاصطفافات جديدة في عالم متعدد الأقطاب والخيارات.





    [10-10-2022 01:10 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع