الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    ماذا سيحل ببريطانيا بعد رحيل الملكة اليزابيث الثانية؟

    رحلت الملكة اليزابيث الثانية بعدما جلست على عرش المملكة المتحدة وأربعة عشر دولة أخرى طوال سبعين عاماً. كانت الملكة اليزابيث الملكة المحبوبة للشعب البريطاني كما صورها لنا الإعلام خلال سنوات حكمها التي شهدت الكثير من المتغيرات، فقد استلمت العرش وكانت بريطانيا تحكم ربع سكان الكوكب وغادرت وبريطانيا على وشك التفكك. على أية حال فقد شهد العالم تحت حكمها معارك حروب كثيرة، من أهمها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بسبب تأميم الرئيس عبدالناصر لقناة السويس، وحرب الفوكلاند عام 1982، وحرب الخليج عام 1991، وحرب أفغانستان عام 2001، عداك عن المواقف السياسية المتطرفة لبريطانيا في الدعم المستمر الذي قدمته وتقدمه لإسرائيل منذ نشأتها.

    ومن الطريف أن الملكة اليزابيث جاءت إلى العرش بالصدفة، فبعد وفاة جدها الملك جورج الخامس عام 1936 خلفه على العرش أبنه إدوارد الثامن الذي تولى العرش لمدة لا تزيد عن السنة، عاد وتنازل عنه لأخيه بسبب زواجه من سيدة أمريكية وتلك قصة يطول شرحها. وبهذا فقد خلفه على العرش أخيه جورج السادس والد اليزابيث الذي حكم منذ العام 1937 ولغاية وفاته عام 1952 لتخلفه اليزابيث، التي حكمت منذ ذلك الحين لغاية هذا العام . لقد شهد العالم وبريطانيا متغيرات كثيرة خلال حكم الملكة اليزابيث من صعود وهبوط الكثير من الدول ومن ضمنها أفول الإمبراطورية البريطانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية التي حكمت العالم ما يزيد عن الخمسمائة عام. ومع ذلك فإن بريطانيا لا زالت إلى الآن يراودها الحلم الامبراطوري، فن الناحية الدستورية يحكم ملك بريطانيا بالإضافة إلى المملكة المتحدة أربعة عشر دولة أخرى ولو بشكل صوري، كما أن الملكية الدستورية بقيت رمزاً لماضٍ امبراطوري مجيد، فلا زالت بريطانيا تقود مجموعة دول الكومنولث البالغة 53 دولة التي يقطنها 2.5 مليار نسمة. وقد خرجت بريطانيا مؤخراً من البريكست والاتحاد الأوروبي على اعتبار أنها لا زالت مختلفة عن باقي الدول ولديها الحلم بإعادة مجد الإمبراطورية الذي لا زال يداعب عقول البريطانيين تحت لواء الملكة المحبوبة بالنسبة اليهم الملكة اليزابيث. فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل هذا الغرور يعكس الواقع، فهل تستطيع المملكة المتحدة والدول التابعة لها صورياً ودول الكومنولث من ان تكون قطباً مستقلاً وتعيد مجد الإمبراطورية القديمة. في واقع الأمر لا. فالواقع أن بريطانيا أصبحت مهددة أكثر من ذي قبل في التفكك، فحب البريطانيين للملكة اليزابيث كان عاملاً ذو أهمية في بقاء المملكة المتحدة، ولم تكن الملكية الدستورية عبئاً على الحياة السياسية في بريطانيا وذلك لأن مؤسسة العرش بروتوكولية ولا تتدخل في الحياة السياسية، فالبرلمان ورئيس الوزراء هم من يقودون الحياة السياسية. أما بعد رحيل الملكة هناك عدة سيناريوهات متوقعة، أولها حلم الانفصال لإيرلندا الشمالية واسكتلندا وربما ويلز أيضاً يلوح بالأفق. فقد حاول الاسكتلنديون الاستقلال في الاستفتاء الذي عُقد عام 2014 ولم ينجح وقد يعاودون الكرّة مرة أخرى. أما الايرلنديون فهم أكثر وضوحاً في مطالبهم منذ أمد بعيد. والعامل الأهم هو أن شخصية الملك الجديد هي خلافيه وليست شخصية جامعة داخل وخارج المجتمع البريطاني بعكس والدته، فليس لديه الرصيد الكافي من الحب في قلوب البريطانيين كما كان لوالدته، عداك عن أن علاقاته وآراءه المثيرة للجدل قد تقف عائقاً أمام الإبقاء على وحدة المملكة. أما خارج المملكة المتحدة في الدول التي يرأسها صورياً التاج البريطاني، فهناك توجه للتخلص من هذه العلاقة والتحول إلى جمهورية كاستراليا مثلاً التي قد تسعى إلى ذلك أو بعض الجزر الكاريبية على الرغم من أن هذا الشأن لم يكن يؤثر سلباً لا على الاستراليين أو النيوزيلنديين أوغيرهم في ظل وجود الملكة، على الرغم من أنهم أكثر معرفة بالنهب الهائل والممنهج التي مارسته بريطانيا في نهب مستعمراتها عبر التاريخ. بريطانيا من أكثر الدول في العالم نهباً لمستعمراتها وأكثرهم تواطئاً على دول العالم الثالث ليس فقط في منطقتنا العربية بل حتى على دول الكومنولث التي تتبعها مباشرةً. فأمام الملك الجديد تحديات كثيرة في بقاء الوحدة البريطانية، هذا إن استطاعت بريطانيا بالفعل تخطي الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها الآن. فقد وصل حجم التضخم إلى أكثر من 9% وهي النسبة الأعلى خلال الأربعين سنة الماضية. فبريطانيا قلعة من قلاع الرأسمالية لا تعد أفضل من دول الاتحاد الاوروبي أو الولايات المتحدة على صعيد الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة الطاقة. فهي تلعب بنفس اللعبة وبذات الأدوات وما يجري على أوروبا الغربية يجري عليها تماماً. فالحلم الامبراطوري هو حلم عفى عليه الزمان. فنحن أمام تحديات كثيرة في واقع متغير يفرض أبجدياته الخاصة في صعود أمم وتجارب الشعوب الأخرى التي ستشكل فسيفساء النظام العالمي الجديد بقواه واقطابه المختلفة.





    [19-09-2022 03:26 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع