الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    بين جرة مصطفى ١٩٧٥وجرة ذهب عجلون


    أ.د.زيدان كفافي
    تابعت ما جرى على الاعلام المرأي والمقروء حول حلقة جديدة مفبركة تخص الآثار الاردنية، وهنا خطر ببالي هذه الخاطرة.
    كنت في عام ١٩٧٥م طالب ماجستير في الآثار وأميناً لمتحف آثار الجامعة الأردنية. وكانت ثلاث جهات في ذلك العام قد قررت إجراء مسوحات أثرية تغطي وادي الأردن من العدسية شمالاً وحتى البحر الميت جنوبا. وهذه الجهات هي الجامعة الأردنية ويمثلها الدكتور خير ياسين، ودائرة الآثار العامة ويمثلها الدكتور معاوية ابراهيم، والمركز الأمريكي للأبحاث الشرقية ويمثله المرحوم الدكتور جيمس سيوار. وكان لي شرف المشاركة بهذه المسوحات، وقسم العمل على مرحلتين الاولى في عام ١٩٧٥ والثانية في عام ١٩٧٦م.
    تبدأ قصة جرة مصطفي؛ أن مدراء المشروع أرادوا إشراك دليل من أهل المنطقة معهم، يعرف جغرافية المنطقة وأسماء المواقع فيها. على أي حال، في الأيام الأولى من العمل، قررنا الجلوس على مقهى في بلدة الشونة الشمالية، وبدأ الحديث حول المشروع مع بعض الجالسين، فاقترب شخص، وعرّف على نفسه أنه من بلدة"القليعات" ويعرف المنطقة جيداً، وله اهتمام بالآثار، فكان هذا هو الشخص المطلوب للمساعدة في تجوال الفريق بالمنطقة.
    ذات يوم أصر مصطفى على دعوة الفريق على طعام الغداء. وطلبنا منه ان يكون الطعام "خبيزة". ذهبنا في الموعد إلى بيت مصطفى في بلدته القليعات. بعد أن دخلنا بيته، جلنا بنظرنا فيه، فرأينا رفاَ وقد اصطف فوقه مجموعة من الجرار الفخارية المؤرخة للعصر البرونزي المبكر الرابع (حوالي ٢٤٠٠- ٢٠٠٠ قبل الميلاد)، والعصر البرونزي المتوسط الأول (حوالي ٢٠٠٠ - ١٨٠٠ قبل الميلاد)، وكان قانون الآثار الاردني في حينه يسمح بالاتجار بالآثار. المثير في الأمر أن مصطفى ، وهو فنان ماهر، أضاف إلى سطوحها زخارف محفورة بيده، وهنا كانت المفاجأة.
    حدث أنه، وقبل البدء بالمسوحات الأثرية في غور الأردن، ورد الى مسامع المتخصصين في دائرة الآثار العامة وجود جرة فخارية، وحسب ما أعتقد عند "الافغاني"، فقررت دائرة الآثار العامة شرائها فشكلت لجنة من المتخصصين لهذا الغرض. وبعد ان تفحصت اللجنة الجرة توصلت لما يلي، حسب ما أذكر:
    ١: إن تاريخ الجرة هو العصر البرونزي المبكر الرابع / بداية العصر البرونزي المتوسط.
    2: أن الزخارف المحفورة على سطح الجرة غير مسبوقة، وغير معروفة من فترة الجرة. وعليه تتفرد الجرة بهذا ويجب شرائها.
    بعد تناول الخبيزة مع الليمون والشطة والبصل ، سؤل مصطفى عن مكان الجرار ، فأجاب، وهل قام بزخرفة جرة من المجموعة هذه وبيعها، فأجاب بالايجاب. وتبين أن الجرة المتميزة، محور البحث حينذاك، كانت مزيفة الزخرفة.
    أما جرة ذهب عجلون عام ٢٠٢٢م، أنا قرأت وسمعت، ولم اتفحص. لكن في مقابلة تلفزيونية أوضح عطوفة مدير عام الاثار الدكتور فادي البلعاوي، والدكتور فراس العلاونه/ عميد كلية السياحة والتراث في الجامعة الهاشمية حكايتها، لكنني سمعت من بعض المتخصصين الذين شاهدوا الجرة أنها من العصر البرونزي المتوسط، حيث لم يعرف الناس العملات النقدية في ذلك الوقت. وأن ما عثر بداخلها كان "خلط بلط" من البقايا الأثرية القديمة والحديثة، يعني مجدرة: رز، وعدس، وبصل. والأنكى من هذا وذاك أنها لم تكن في مكانها الأصلي. وأن الحكاية مفبركة. وبناء عليه، يجب أن نأخذ الحيطة والحذر قبل البت في هذه الأمور، لأن فيها تشويش واضح، واشغال للناس.
    الأولى بنا كآثاريين أن نراجع تقارير الحفريات والمسوحات الأثرية لمنطقة العامرية، وأنا متأكد أن دائرة الآثار العامة لا تألو جهداً بهذا الصدد، كما يقوم على مديرية آثار عجلون زميل متميز بعلمه ونشاطه وهو الدكتور اسماعيل ملحم.
    يا ناس شو "اللكة"، كل يوم إشاعة جديدة، وتفسيرات جديدة حول آثار الأردن. نحن بحاجة لتشابك الأيدي والعقول لمواجهة هذه الأمور. وما زلت أتمنى أن ينشأ في الأردن "مركز بحث" متخصص في دراسة التراث ، وتراثنا جزء من كل من تراث بلاد الشام، والعالمين العربي والإسلامي. حمى الله الاردن.
    عمان في ١٠/ ٩/ ٢٠٢٢م





    [12-09-2022 10:48 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع