الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هل نحن محكومون بالثنائيات؟ .. نظرية "التأطير" والفاشية الجديدة!


    يقولون لك: إما أن تنجح أو ترسب.
    تلد المرأة؛ إما ذكرًا أو أنثى.
    يكون الشخص إما نائمًا أو مستيقظًا.
    تأسيسًا على ذلك:
    هل يكون المرء ناجحًا في الحياة أم فاشلًا؟
    وهل هذا الرجل كريم أم بخيل؟
    وهل هذه الرحلة ممتعة أم مملة؟
    وهل هذه الفتاة جميلة أم قبيحة؟
    لكنَّ؛ ثنائيات أخرى تحتاج تدقيقًا، مرتبطة بمواقف أيديولوجية، لذا فالاجتهاد فيها مرتبط بهذه المواقف: فأنت حينما تسأل:
    هل أنت تؤيد العلاقات الطبيعية مع إيران أم العداء معها؟
    هل التطبيع خيانة أم "واقعية سياسية"؟
    هل أنت مع روسيا أم مع أمريكا؟
    فأنت إن كنت من الذين يؤيدون العلاقة مع إيران، فتعبر ذلك شأنًا مألوفًا، والعكس صحيح. وأنت إن كنت ممن يجرمون التطبيع، تعتبره خيانة، غير أنك تعتبره "تدوير زوايا" إن كنت سياسي من دعاة "الواقعية". وإن كنت قد درست في أمريكا، ومعجب بـ"النموذج الأمريكي"، وتؤيد "الديموقراطية الليبرالية"، فأنت قطعًا تقف مع أمريكا ضد روسيا، وهكذا دواليك.
    ونحن نستعرض الثنائيات هذه وغيرها، نكتشف أننا إزاء ثنائيات مختلفة، وبالضرورة التعاطي معها ينبغي أن يكون مختلفًا أيضًا. لكنَّ؛ كيف؟
    في الحالة الأولى: إما أن تنجح أو ترسب؟ وهنا يمكن أن لا تنجح، كطالب، في الجغرافيا، لكنك قد تنجح في الفيزياء. لكنك، كطالب أيضًا، يمكن أن لا تنجح في المسار الأكاديمي العلمي، لكنك قد تنجح في المسار المهني. وقد لا تنجح في التعليم المدرسي، لكنك قد تنجح في العمل، وهكذا دواليك. إذًا نحن أمام ثنائيات متحركة، وليست قدرًا. وكذلك الحال بالنسبة للذكر أو الأنثى، وتأكيدًا لذلك؛ فإن الرجل يحمل الكروموسومات xy، وهما كروموسوم ذكري وآخر انثوي.
    أما بخصوص النائم والمستيقظ؛ فالمرء قد يكون ما بين النوم والصحو، أو نعسان وغير قادر على الجلوس، لكنه مستيقظ، وفي اللغة العربية أكثر من عشرة تعبيرات للنوم، بعضها يشير إلى النوم العميق، وأخرى إلى النوم الخفيف، وثالثة تشير إلى الاستيقاظ مع النعاس.
    وأليكم بعض أشكال النوم في اللغة العربية، وقطعًا؛ معانيها تشبه تعبيرات في اللغات الأخرى: النعـاس، وهـو أن يرغب الإنســـان فى النــوم، والوسـن، وهـو ثقــل الـرأس، والترنيـق، وهو مخالطـة النعـاس للعيـن، والكـرى، وهو أن يكون الإنسان بين النوم واليقظة، والتغفيـق، وهو النـوم وأنت تسـمع كلام الناس، والإغفـاء، وهو النــوم الخفيــف، والتهـويم، وهو النــوم القليـــل، والرقـاد، وهو النــوم الطـويــل.
    في الجزء الثاني من الثنائيات، الأمر أكثر وضوحًا، فالمرء قد لا ينجح هنا، وينجح هناك، والرجل قد يرى الفتاة بشعة، لكن آخر قد يراها جميلة، فهل هي بشعة أم جميلة؟ والمحبون يرون المحب جميلًا، حتى لو كان بشعًا من وجهة نظر الآخرين. وينسحب ذلك على الأمثلة في السياق ذاته.
    ما دفعني لكتابة هذا المقال، مقال قرأته صباح اليوم حول "التأطير الذهني" للسيطرة على العقول. فالأم حينما تقول لابنها: هل تريد النوم الساعة الثامنة أم التاسعة؟. الأم هنا وضعت خيارات طفل داخل "إطار" محدد، لا يستطيع الخروج منه، فهو ملزم إما أن ينام في الثامنة أو في التاسعة، وطبعًا الطفل سيختار التاسعة، وهو الخيار الذي تريده الأم.
    تأسيسًا على ذلك، وضع الأمريكان نموذجهم للتأطير، وأطلقوا عليه "الخيار المُلزم"، فهم يضعون أمام المتلقي فرصة الاختيار، لكنه اختيار مُلزم، فإما أن يختار رئيسًا ديموقراطيًا أو جمهوريًا. وينسحب ذلك على تفاصيل أخرى. بل لعل هذا النموذج الأمريكي أصبح هو السائد في العالم.
    ولمن لا يتذكر، أو لا يريد أن يتذكر، فإن "يوزب غوبلز" وزير دعاية "هتلر" في الحرب العالمية الثانية، هو من وضع نظرية "التأطير"، فمثلًا حينما يسألك النادل: هل تشرب القهوة أم الشاي؟ فهو وضعك أمام خيارين لا ثالث لهما، وبذلك هو سيطر على خياراتك، وبالتالي على عقلك وتفاصيل ما ستقوم به في المستقبل، إن عممنا الفكرة على تفاصيل الحياة كافة.
    لكنَّ؛ الخطير أننا، ونحن نختار بين القهوة والشاي، نكون مبسوطين، بل ممتنين، أن النادل سمح لنا بالاختيار، ونعتقد أننا مارسنا حريتنا في الاختيار، والسؤال هنا: ماذا عن العصير والكركدية واليانسون وغيرها من المشروبات؟ هي وفق نظرية "التأطير" وإرادة النادل خيارات غير متاحة أو ممنوعة، لكنه لا يقول لك ذلك.
    تخيوا؛ وأنتم تمارسون حقكم في انتخاب مرشحكم لمجلس النواب، أن الخيارات كانت بين مرشح إسلامي أو عشائري، فمع أنه قد تكون مرجعيات المرشحين واحدة، وهي في حالات كثيرة كذلك، فإنك تمارس حقك الانتخابي، وأنت مبسوط، وتدافع عن خياراتك، وتعتبر خيارات الآخرين خاطئة، مع أن المرشحين الاثنين يعملان عن "معلم" واحد. وقيسوا على ذلك في التفاصيل الأخرى.
    السؤال الأكثر إلحاحًا، الذي ينبغي أن نجيب عنه الآن: إذا ما كانت أمريكا تتبنى الفكر النازي، وتتبنى نظرياته، فما الفرق بين "هتلر" وبايدن؟





    [06-09-2022 01:09 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع