الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    أيتها الطفولة بكيناك دمًا أزرقا


    منذ الأمس؛ وأنا أحاول النظر إلى وجه الرجل، أن أكتب كلمة، أن أتخيل المشهد، أن أتأمل اللحظة، أنا أرى صور الأطفال، أن أبكي، أن لا أبكي، أن أبلع ريقي، أن أشاهد الأشياء، أن أتخلص من المرارة، أن أموت ولا أبقى حيًا، أن لا أموت، فلم أستطع.
    عقارب الساعة توقفت عن الدوران، البندول لم يعد يتلوى من الضفة إلى الضفة الأخرى، فكل الأشياء تساوت، هي موجودة، وهي، في الآن عينه، غائبة، كل اللحظات تشنجت في تلك اللحظة، تمسك بتلابينا، ومن ثمَّ تتركنا إلى حال سبيلنا، نحن نتحدث، لكنّا صامتون، نتحرك، لكنّا محلك سر.
    أمس منذ الصباح؛
    بكت السماءُ دمعًا أسودا
    نزفت الجراحُ دمًا أزرقا
    ولمًا بانت لحظةُ الحقيقة؛
    انثال الوجعُ مدرارا
    انكشف العصبُ الأخير
    انزاحت خابيةُ الروح
    انشطرت الحياة
    انكسرت الأواني
    فهذي لحظاتٌ؛
    ممحاةُ الدرس لا تراها
    هذي انكساراتٌ
    مراييلُ البنات لا تنساها
    هذي طفولةٌ
    انصعقت أناملها
    طريقُ الإياب لا تعرفها
    هذي حياةٌ لا يحياها
    إلا الراسخون في الغياب
    الكلمات أقل شأنًا من الحدث، فأن تبحث بين المفردات عما يفي الآلام حقها، كمن يبحث عن ذرات الأمل بين السماء والأرض.
    أمس توفي خمسة أطفال أشقاء بعد احتراقهم، جراء صاعق كهربائي، فبكاهم الأردنيون جميعًا، تألموا لأوجاع والديهم، كأننا جميعًا آباءهم. تنادى الأردنيون، كلٌ حسب طريقته، للتعبير عن حزنهم، ووقوفهم إلى جانب أهل الأطفال المتوفين.
    أمس نزلت دموع الأردنيين جميعًا، لكنّ؛ ماذا تنفع الدموع؟
    هل تعيد الموتى؟
    هل تعيد الدموعُ الدماءَ إلى وجه الأب المكلوم، والأم المفجوعة؟
    الجواب، طبعًا كلا، لكنها طبائع الأمور: أن نحزن لحزن من نحب، أن نتألم لآلام الأقربين. غير أن الأهم في هذا السياق أن نُعمِّل الفكر لاجتراح ما يلزم لحماية أطفالنا من الفواجع، فهل التشريعات تكفي؟
    هل المطلوب تأييد قانون حماية الطفل فحسب؟
    أم أن أمامنا طريقًا وعرا، علينا أن نسلكه، شئنا أم أبينا، لمنع غياهب الجبِّ من سرقة فلذات أكبادنا؟
    الأطفال؛ جنة الأرض على الأرض، فهلا فعلنا ما يلزم لحمايتهم من حصرمٍ أكلناه، وها نحن ننتظر منهم أن يضرسوا.





    [20-08-2022 02:21 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع