الرئيسية صوتنا

شارك من خلال الواتس اب
    المجازر الصهيونة المسكوت عنها .. دعوة للتوثيق

    أحداث اليوم -
    محمد أبوعريضه

    تحدثت وسائل الإعلام اليوم عن سماح محكمة الاستئناف العسكرية "الإسرائيلية" بنشر بروتوكولات سرية وشهادات تتعلق بالمجزرة التي نفذتها فرقة من حرس الحدود يوم 29 تشرين الأول عام 1956 في قرية كفر قاسم.
    وفي التفاصيل أن الكيان الصهيوني استغل انشغال العالم بمتابعة العدوان الثلاثي على مصر في شهر تشرين الأول عام 1956، فارتكب مجزرة في بلدة كفر قاسم، وهي إحدى قرى المثلث، التي كان "العدو" الصهيوني يخطط لتهجير أهلها منذ تأسيس كيانه عام 1948، فاستثمر "العدوان الثلاثي" لتنفيذ أهدافه. راح ضحية هذه المجزرة 49 فلسطينيًا، منهم 23 طفلًا.
    تتحدث البرتوكولات السرية عن تفاصيل كثيرة حول هذه المجزرة، لكن ما يهمنا في هذا السياق "قضية" المجازر الكثيرة التي ارتكبها "العدو" الصهيوني، ليس ابتداءً بمجزرة دير ياسين، وليس انتهاءً بالمجزرة الأخيرة في قطاع غزة، وضرورة توثيقها، والاحتفاظ بها، واعتبارها وثائق "قومية" لا يجوز المساس بها، أو تزويرها، أو إسقاط بعض تفاصيلها، أو نسيان ما فيها، أو التغاضي عن مضامينها، أو الاستسلام لابتزاز جهات دولية لإسقاطها من حساباتنا، أو المساومة عليها، أو بيعها، أو السهو عنها في أي وقت.
    "المجازر" التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948، وما يُطلق عليه جيش الدفاع "الإسرائيلي"، بعد ذلك، كثيرة، جرى توثيق بعضها، لكن مجازر كثيرة ما زالت طي الكتمان، لأسباب كثيرة، سواء لم ينجوا أحد من الضحايا، فماتت الحقيقة مع الضحايا، أو جرى طمس الحقائق وإخافئها، ولا سيما أن هذا كان متاحًا قبل ثورة الاتصالات، وإتاحة الفضاء الإلكتروني أمام الجميع، ناهيك عن أساب أخرى تتعلق بثقافة كانت سائدة، تتعلق برغبة الضحية في نسيان مأساته، فيسعى، كما يرى علما النفس والاجتماع، إلى أخفائها، إضافة إلى خشية الأسر من مسائلتهم من قبل السلطات المحلية.
    كان لكاتب هذه السطور قبل حوالي خمسة عشر عامًا تجربة في توثيق بعض المجازر التي لم يعلم عنها أحد، و / أو جرى إسقاط بعض تفاصيلها، و / أو جرى إخفاء وثائقها الأممية، كما حدث مع مجزرة طيرة حيفا، التي اخترت لها، حينما نشرت تفاصيلها عام 2008 في صحيفة العرب اليوم، عنوان "هلوكوست طيرة حيفا".
    فلماذا اخترت هذا العنوان؟
    بعيدًا عن قناعتي بخرافة "المحرقة" – الهلوكوست – التي تتحدث عن حرق النازيين الألمان ملايين اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، التي شكك فيها كثير من الباحثين. أقول بعيدًا عن قناعتي، فإنني اخترت هذا التعبير – هلوكوست -، لأن العصابات الصهيونية أضرمت النار في 60 إلى 80 فلسطينيًا من بلدة طيرة حيفا، أغلبهم من كبار السن. توفي منهم مباشرة، وفق ما رصدته فرق الأمم المتحدة لاحقًا استنادًا لشهادات ناجيين، 28 فلسطينيًا، لكن كاتب السطور تمكن من إجراء عدد من اللقاءات مع أبناء وأحفاد ناجيين من المحرقة، أكدوا أن عدد الذين احترقوا في هذه المحرقة أكثر من 28 شخصًا، وهو ما أكده الباحث الكبير سلمان أبوستة في مقال نشره عام 1999، قدَّر فيه عدد الضحايا بـ 55. كما تمكن كاتب هذه السطور من تصحيح بعض أسماء وردت في تقارير الأمم المتحدة.
    الأخطر بشأن هذه المحرقة؛ أن الملف الأممي، الذي أطلقت عليه الأمم المتحدة اسم الـ "28 عربي الذي أحرقوا وهم أحياء" – Alleged burning of 28 arabs alive – ضاع داخل أدراج هيئة الأمم المتحدة بحدود نصف قرن، ولولا الباحث الفرنسي "ميشيل بالمبو"، الذي تمكن من إيجاد هذا الملف وتوثيق ما ورد فيه من تفاصيل في كتابه "نكبة فلسطين"، الي وجد صعوبات جمة في نشره، ولولا متابعات أبو ستة نفسه، لضاعت حقيقة هذه المحرقة داخل أروقة المنظمة الأممية.
    كاتب هذه السطور وثَّق أيضًا مجازر أخرى ارتكبتها العصابات الصهيونية في مواد صحافية أخرى نشرها في صحيفة العرب اليوم، منها مجزرة "مرَّان"، وهي "خربة" تقع إلى الغرب من مدينة الخليل، احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948، صحيح أن سكانها كانوا قلة، لجأوا إلى "خربة" أخرى لم تكن قد احتلت عام 1948، لكن أراضيهم التي كانت مزروعة، وفقدوها قبل موسم الحصاد، تقع في "مرَّان" التي احتلت.
    الأهالي، أصحاب الأراضي المزروعة، تسللوا إليها وحصدوها، و"رجَّدوا" القمح وذروه، ووضعوا "الغلة" في شوالات، وهموا بنقله إلى "الخربة" الأخرى، غير أن العصابات الصهيونية انقضت عليهم وقتلت بعضهم، واستولت على "الغلة". هذا المشهد تكرر خلال العامين اللاحقين 1949 و 1950. راح ضحية هذه المجازر عدد كبير، تمكن كاتب السطور من توثيق أسماء ما يقرب من عشرة ضحايا، لكن العدد أكثر من هؤلاء بكثير. وتكرر المشهد في قرى وبلدات مشابهة على طول خطوط الهدنة، لم يجري توثيق معظمها، لأن الأهالي كانوا يخشون عقاب السلطات المحلية، فيسكتون.
    المجازر المنسية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية كثيرة، كاتب السطور وثق بعضها، لكن توثيقها جميعًا يحتاج جهودًا بحثية كبيرة، لا تتوفر إلا للدول والمؤسسات الضخمة، فهلا اجتهدنا وفعلنا شيئًا لحفظ تاريخنا المسكوت عنه.





    [13-08-2022 12:48 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع