الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هل فعلا لدينا مليون عامل وافد في المملكة ؟

    أحد "الحجج" التي تُستخدم أحيانا لتبرير ارتفاع معدلات البطالة؛ الادعاء بوجود أكثر من مليون عامل وافد في سوق العمل الأردني، بمعنى أن هناك أكثر من مليون فرصة عمل يمكن أن يشغلها الأردنيون المتعطلون عن العمل.
    في الحقيقة أن هذا ادعاء عارٍ عن الصحة، فلو قمنا بتحليل مبسط وسريع لواقع العمالة الوافدة في المملكة من كافة الجنسيات؛ نجد أنها تنقسم إلى ثلاث فئات: الأولى عمالة وافدة مسجلة لدى وزارة العمل، أي مصرح لها بالعمل في مهن غير مغلقة، والثانية عمالة وافدة غير مسجلة "تعمل من دون تصاريح عمل" أي مخالفة للقانون، والثالثة عمالة وافدة مسجلة لدى وزارة العمل، والمنتسبون لها حاصلون على تصاريح عمل، لكنهم يعملون لدى صاحب عمل آخر أو في مهن غير مصرح لهم العمل فيها، أو ما اصطلح على تسميتهم بـ المتسربين من بعض القطاعات إلى قطاعات أخرى للاستفادة من الأجور المرتفعة في بعض المهن، كقطاع الإنشاءات، والأعمال الحرة وحراس العمارات والخدمات وغيرها.
    يمكننا تقدير حجم العمالة الوافدة الموجودة على أراضي المملكة خلال فترة زمنية محددة من خلال تحليل بسيط لبعض البيانات المنشورة في التقارير التي تصدر عن البنك المركزي الأردني ووزارة العمل ودائرة الإحصاءات العامة، فعلى سبيل المثال نلاحظ أن حجم تحويلات العاملين إلى الخارج عام 2019 بلغت 339.2 مليون دينار، انخفضت في عام 2020 بسبب جائحة كورونا إلى 244.6 مليون دينار، وارتفعت في عام 2021 إلى 333.2 مليون دينار.
    فإذا اخذنا عام 2021 على سبيل المثال؛ إذ بلغت قيمة المبالغ المحولة 333.2 مليون دينار، اي ما يعادل 476 مليون دولار تقريبا، تم تحويلها على الأغلب من العمال الوافدين، سواء كانوا يعملون بشكل قانوني أو غير قانوني، وبافتراض أن معدل تحويل العامل الوافد 1200 دولار سنويا، أي بواقع 100 دولار شهريا؛ فإن عدد الذين قاموا بتحويل هذا المبلغ لا يتجاوز الـ 400 ألف عامل من كل الجنسيات، وبناءً عليه فإن أعداد العمالة الوافدة المسجلة وغير المسجلة في الأردن قد تتراوح ما بين 400 الى 450 ألف عامل على أبعد تقدير؛ وهذا يؤشر إلى أن أعداد العمالة الوافدة أقل بكثير من تقديرات بعض الجهات، التي قدرتها بأكثر من مليون عامل وافد.
    أرقام وزارة العمل للأعوام 2015 – 2019 الماضية تبين أن أعداد العمالة الوافدة المسجلة، وتعمل بشكل قانوني قد تراوحت ما بين 315– 350 ألف عامل وافد من كل الجنسيات، انخفض هذا العدد بسبب جائحة كورونا في عام 2020 إلى حوالي 296 الف عامل وعاملة، كما تبين بيانات وزارة العمل أن عدد تصاريح العمل السارية المفعول الصادرة عن الوزارة حتى تاريخ 2/9/2021 حوالي 310 آلاف تصريح بعد انتهاء فترة تصويب الأوضاع، التي منحتها الحكومة للعمالة الوافدة على أراضي المملكة في الفترة ما بين 4/7/2021 وحتى 2/9/2021 بشروط غير مسبوقة، شبيهة بالتي منحت لها في عام 1993، حينما أتيح فيها للعمال الوافدين المخالفين الحصول على تصاريح عمل مندون دفع أي غرامات عن سنوات سابقة، وكذلك سمح للعمال الانتقال بين القطاعات، وهي فرصة قد لا تتكرر، أي أن الغالبية الساحقة أصبحوا مسجلين وحاصلين على تصاريح عمل.
    كما لا بد من الإشارة الى وجود نسبة لا بأس بها من العمال الوافدين يعملون بشكل مخالف للقانون، بالرغم من حصولهم على تصاريح عمل؛ لأنهم يعملون في مهن غير المصرح لهم العمل فيها، ولأن العامل الوافد أحيانا يسعى للحصول على تصريح عمل في القطاعات المسموح له العمل بها مثل قطاع الزراعة والإنشاءات؛ لكنه يغادرها ليعمل في مجالات أخرى مثل الأعمال الحرة او العمل بالمياومة أو حراسة العمارات والمجمعات التجارية، لأن العمل في هذه المجالات تحقق له اجراً مرتفعاً قد يصل الى أضعاف الأجر الذي قد يحصل عليه لقاء عمله في القطاع الزراعي .
    يتضح لنا مما تقدم أن بيانات وزارة العمل تتعلق بالعمالة الوافدة القانونية أو شبه القانونية فقط، في حين أن البيانات والأرقام الصادرة عن البنك المركزي ودائرة الإحصاءات العامة تخص جميع الوافدين المتواجدين على أراضي المملكة، خلال فترات زمنية محددة سواء، كانوا يعملون بشكل قانوني أو غير قانوني، وبناء على ذلك فإن تقدير حجم العمالة الوافدة المجودة داخل المملكة يمكن أن يجري من خلال بيانات البنك المركزي ودائرة الإحصاءات العامة، وليس من خلال بيانات وزارة العمل، وعليه فان حجم تحويلات العاملين داخل المملكة إلى الخارج هو مؤشر يمكن أن يعول عليه.
    إن أفضل الوسائل لحصر أعداد العمال الوافدين في البلاد هي استخدام الأنظمة الحديثة والتطور التكنولوجي في مجال تقنية المعلومات، التي تعتبر أكثر دقة وفي غاية البساطة، وذلك من خلال الربط الإلكتروني بين الجهات المعنية وتفعيل نظام بصمة العين للقادمين والمغادرين إلى المملكة في المراكز الحدودية. وقد تضمنت الاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي أعدتها وزارة العمل للأعوام 2011 - 2020 التي أطلقت تحت الرعاية الملكية السامية عام 2011 مشروع بصمة العين للقادمين والمغادرين للمملكة من خلال المراكز الحدودية والمعابر، الأمر الذي كان سيمكن الجهات المعنية من الاشراف على تنظيم وجود العمالة الوافدة، وحصر أعدادها بشكل دقيق إلا أنه لم يكتب له أن يرى النور رغم توفر الإمكانيات المادية والفنية لتنفيذه آنذاك.
    الشيء المؤكد أن العمالة الوافدة في الكثير من الدول غالبا ما تعمل في مهن لا يقبل عليها العمال المحليون: مثل بعض المهن التي تتوفر في قطاعات الانشاءات والزراعة والخدمات، وذلك عائد لأسباب كثيرة منها صعوبتها وخطورتها العالية، واغلبها موسمية غير مستمرة وقد تسبب أمراض مهنية وعجز مبكر، على الرغم من أنها قد توفر أجور مرتفعة نسبياً. أما العامل الوافد فإنه يقبل العمل بها لفترات زمنية محددة مستفيدا من ارتفاع الأجور فيها، ومن فارق الأجور ومستويات المعيشة بين البلدين، لذلك فإن إحلال العمالة المحلية مكان العمالة الوافدة في بعض القطاعات يحتاج إلى توفير شروط كثيرة، منها العمل اللائق والحمايات الاجتماعية الكافية والمستدامة وتوفير وظائف ومهن دائمة غير موسمية، وتوفير مسارات مهنية قادرة على تحقيق الطموحات الفردية للعامل، وغير ذلك يصعب إقناع المتعطلين عن العمل بالقبول بها خصوصاً الذين حصلوا على شهادات عليا ودرجات جامعية.





    [06-07-2022 12:49 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع