الرئيسية صوتنا

شارك من خلال الواتس اب
    هل انقطع حبل الثقة بالحكومات في العقبة؟

    أحداث اليوم - بانقطاع حبل الرافعة الشوكية في العقبة، واستشهاد أثني عشر مواطنًا وإصابة أكثر من مئتين، فإن حبل الود مع الحكومة، كما يبدو، قد انقطع، واتسعت الفجوة، وأمست ثقة الناس بالحكومات، المهزوزة "أصلًا"، خارج نطاق البحث.
    من يتابع ما نشره الأردنيون على وسائل التواصل الاجتماعي حول حادثة العقبة الأليمة، يتأكد أن حبل الثقة بالحكومات قد اهترأ، إن لم يكن قد انقطع قبل ذلك، فباستثناء إشادة المواطنين بالجيش والأجهزة الأمنية وعلى رأسها الدفاع المدني، فإن كل التعليقات سلبية، وتتهم الإدارة العامة بالتقصير، فالحدث جلل، وفق بعض المنشورات، ولا مجال لدفن رؤوسنا في الرمال.
    المؤسف في هذا السياق أن الإدارة العامة الأردنية ظلت إلى ما قبل ربع قرن، أو أقل قليلًا، محط اهتمام وتقدير أشقائنا العرب. وظلت الدول العربية، بخاصة دول الخليج والسعودية، تستعين بالكفاءات الأردنية للعمل فيها، وتفضلهم على غيرهم من الجنسيات، بل إن الكفاءات الأردنية وصلت المغرب العربي، وكان لها دور في تنمية غير قطاع فيها.
    صحيح أن كفاءة الإدارة العامة الأردنية لم تمنع انتقاد السياسات العامة، واجتراح المعارضة السياسية، من بين التفاصيل، مادة خصبة لانتقاد الحكومات، وصحيح أن المواطن كان يشعر حينما كان يراجع أي دائرة حكومية أنه متهم يقف أمام رجل أمن، غير أن هذا كان جزءًا من سياق اجتماعي يتعلق بهيئة رجل "الحكومة"، وهيبته في الموروث الشعبي.
    على كل حال، ثقة المواطنين بالحكومات تستند إلى عاملين، أولهما السياسات الحكومية، وهذه تُفرز معارضين سياسيين، لهم برامج بديلة، وثانيهما الإدارة العامة.
    كانت ثقة الأردنيين بالسياسات الحكومية على مدى عمر الدولة الأردنية ما بين مد وجزر، إذ أن هذا العامل ارتبط بشكل وثيق باشتراطات إقليمية وعالمية، ما جعل المحدد الرئيسي للسياسات الأردنية خارجي أكثر منه داخلي، غير أن معارضي هذه السياسات لم يتمكنوا إلى منتصف تسعينات القرن الماضي من تشكيل رأي عام ضاغط، يجعل ثقة الأردنيين بالحكومات محل تساؤل.
    تغيرت هذه الصورة منذ الانعطافة الكبيرة للسياسة الأردنية بعد توقيع الأردن اتفاقية "وادي عربة" مع دولة الاحتلال عام 1994، واتجاه الحكومات إلى "لبرَّلة" الحياة السياسية، وربط الاقتصاد الأردنية بالكامل بالتفاهمات مع البنك وصندوق النقد الدولييَّن. ومن نافلة القول في هذا السياق أن ثقة الأردنيين بالحكومات بدأت بالإهتراء عامًا تلو الآخر، إلى أن وصلنا إلى معادلة جد معقدة، سماتها أن القاعدة الاجتماعية، التي عاشت على هامش القطاع العام، أصبحت اليوم هي المعارضة السياسية.
    أما بِشأن الإدارة العامة، فالأمر متفق مع الاستهلال السابق، ومختلف عنه في الآن عينه، فالإدارة العامة منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، أي بعد دخول الأردن في "زمن السلام" مع الاحتلال، والتفاهمات مع صندوق النقد والبنك الدولييَّن، وخصخصة مؤسسات القطاع العام، بذريعة أنها غير كفؤة، بدأ الترهل يدخلها، وأخذت "الدولة" تستولد مؤسسات مستقلة خارج حسابات الإدارة العامة، وبعيدة عن أعين الرقابة الرسمية، وهو ما خلق لدى الموظف الحكومي أن القاعدة العامة في الإدارة العامة "خيار وفقوس"، وأن الكفاءة ليست المعيار للتقدم الوظيفي، بل العلاقات، ولاحقًا أصبحت اسم المدرسة والجامعة التي يتخرج منهما الموظف هو المفتاح السحري لفتح كل الأبواب الموصدة أمام الآخرين. وهو ما خلق حالة من اللإبالية لدى موظفي القطاع العام، فالذي يجتهد ومن لا يجتهد سيان.
    التفاصيل المتعلقة بأسباب تراجع كفاءة الإدارة العامة، وانقطاع حبل الود مع الحكومات، واهتراء الثقة كثيرة، لكن من المؤكد أن الفرصة لإصلاح منظومات الإدارة العامة، واستعادة القطاع العام كفاءته، وترميم الحكومة ثقة الناس فيها، ما زالت موجودة، غير أن الوقت المتاح لفعل ذلك قصير، فانتبهي يا حكومة.





    [28-06-2022 01:12 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع