الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    عن الهوى والعشق عند العرب


    يزخر التراث العربي بقصص الحب والعشق، قُيِّض لبعضها النجاح، وفاز أبطالها باللقى في نهاية المطاف، غير أن معظمها فشل، وكانت نهاياتها مأساوية. لكن لم يرد في التراث العربي – بحدود علمي وبحثي – أن أقدم محبٌ على قتل محبوبته، وقتل نفسه، إلا في خيال الأدباء ومخرجي الدراما. مع أن بعض قصص الحب في التراث العالمي انتهت بمقتل أحد العاشقيّن.
    وما دامت التحقيقات لم تنته بعد في قضية الطالبة الجامعية، التي قُتلت الأسبوع الماضي، وقتل قاتلها نفسه، فإننا لن نتناولها في حديثنا، غير أننا سنستند في تحليلاتنا لجريمة جامعة المنصورة، التي وقعت قبل أيام، حينما أقدم شاب على إطلاق الرصاص على الطالبة الجامعية "نيرا" بعد أن فشلت علاقتهما، كما جاء في الصحف المصرية.
    أتساءل: هل قاتل حبيبته شخص سوي؟
    قطعًا، هو ملاك رحيم، إذا سارت الأمور مع حبيبته على هواه، وهو شرس شرير، إذا وجد صدًا من حبيبته، ويتحول إلى قاتل إذا ما شعر أنه مهدد بفقدان حبيبته.
    هو خاوٍ من الداخل، السوس ينخره، ومن الخارج هو يبحث عن اليقين. هو شخص أناني لا يحب إلا نفسه، وأنا على قناعة راسخة أنه كان طفلًا مدللًا أو مكروهًا من أترابه أو أنه كان منطويًا، يكره الاختلاط، ومن شدة تعلقه بامتلاك ما يحب، فإنه بالتأكيد كان على استعداد لإتلاف لعبته، إذا شعر أنها ستؤؤل لغيره.
    أما المحبون العرب في التاريخ، فلم تذكر أخبارهم أن أحدهم أقدم على قتل محبوبته إن قوبل بالصد منها أو من أهلها، بل إن أجمل الأشعار العربية القديمة نظمها عشاق، سيطر اليأس من لقى الحبيبات على وجدانهم.
    فهذا عنترة ابن شداد، الذي حال سواد بشرته بينه وبين ابنه عمه عبلة، فأخذ يراها في كل التفاصيل، فنظم فيها آلاف الأبيات، وهو القائل:
    فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
    وجميل بثينة الذي عاش في العصر العباسي، هاجر إلى اليمن حينما أجبر أهل محبوبته بثينة ابنتهم على الزوراج من غيره، لكنه لم يطق البعد عنها طويلًا، فعاد إلى دياره، غير أنه اكتشف أن بثينة وأهلها هجروا البلاد إلى الشام، فأقسم أن يذهب إلى أبعد مكان تصله قدماه، فهاجر إلى مصر، ومكث فيها إلى أن مات فيها، وقد أنشد قبل رحيله:
    وما ذكرتك النفس يا بثين مرة من الدهر إلا كادت النفس تتلف
    وإلا علتني عبرة واستكانة وفاض لها جار من الدمع يذرف
    تعلقتها والنفس مني صحيحة فما زال ينمى حب جمل وتضعف
    إلى اليوم حتى سلّ جسمي وشفني وأنكرت من نفسي الذي كانت أعرف

    وغيرهما كُثّير عزة، ومجنون ليلى، ومجنون لبنى، وتوبة وليلى الاخيلية، وأبو نواس وجنان، وأبو العتاهية وعتبة، وابن رهيمة وزينب، وغيرهم كثر.
    ووفق لأحد الأصدقاء فأنه إذا أردنا البحث عن هوية لهذه الجرائم، فعلينا البحث عن ثقافة العنف، وتشريع الإبادة، وتقديم القتل، لا كوسيلة لتحقيق غاية، بل باعتبار القتل هو الغاية بحد ذاتها.
    وهذا ستجده مكتمل التحقق في العصر الأمريكي، والثقافة الأمريكية!
    نحن أمام اجيال (عربية) تربت على دراما القتل، من توم وجيري إلى افلام هوليوود، وليس انتهاء بألعاب الفيديو!، مع غياب تام لفلسفة تعليم، تبني العقول، لمصلحة مناهج مدرسية جوفاء، ومتخلفة.
    الأمر الذي ترك المجال لثقافة تقدم "وجبات مجانية" ومترجمة على مدار الساعة، هي في المجمل وصفات للعنف والإبادة، والمحو، وتحقيق السيطرة الإجرامية، أو بطرق إجرامية .





    [27-06-2022 06:34 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع