الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    لماذا حافظ الروبل على الصعود رغم العقوبات


    على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، فقد أرتفع سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، إذ وصل إلى أعلى معدل له منذ سنوات، في حين كان الهدف من حُزَم العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا هو شل الاقتصاد الروسي وانهيار الروبل، بهدف رفع أسعار كل السلع والخدمات وانهيار مستوى المعيشة. كان الغرب يراهن على خلخلة بنيان المجتمع الروسي من الداخل، وتوقع حدوث اضطرابات اجتماعية وهزيمة نكراء لبوتين. ولكن هذا لم يحدث على الإطلاق.
    نعم لقد تأثر سعر صرف الروبل أمام الدولار في بداية الحرب، إذ كان في 24 شباط من هذا العام بحدود 80 روبل للدولار، وهبط بحدود 40% مع بداية الحرب، وبلغ الذروة في الأسبوع الأول لشهر أذار بحدود 150 روبل مقابل الدولار. فماذا فعل الروس لمقاومة هذه العقوبات لدعم الروبل؟
    أولاً: لقد إتخذ البنك المركزي الروسي حُزمة قرارات، ساهمت في تخفيف آثار العقوبات، ولعل أهمها هو رفع سعر الفائدة على الودائع، وهو إجراء اقتصادي تتبعه كافة الحكومات عندما تتعرض إلى أزمات اقتصادية أو حروب. فرفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة على الودائع من 9.5% إلى 20%، لطمئنة المودعين الروس بأن الحكومة ستقوم بتعويضهم، وللحيلولة دون سحب الودائع وايداعها بالدولار. وبعد أن استقر الوضع تم تخفيف الفائدة تدريجياً إلى أن عادت إلى 11% .
    ثانياً: وضع البنك المركزي الروسي حظراً على كافة التحويلات المالية إلى خارج روسيا لفترة معينة، ثم قام بتخفيف هذه الإجراءات ووضع ضوابط لكي لا تتعدى التحويلة الواحدة الـ 10,000 دولار في الشهر لأي فرد.
    ثالثاً: منع تخارج الأجانب من الأوراق المالية التي استثمروا فيها في السوق المالي الروسي، كما وضع ضوابط على البورصة بمنع إجراءات البيع الجماعي الكبير، أو ما يسمى بلغة السوق المالي الـ Short Selling ، وذلك لضبط تعاملات السوق المالي ومنع انهياره.
    رابعاً: إجبار الشركات الغربية على شراء منتجات الطاقة من النفط والغاز وبعض السلع الاستراتيجية الأساسية مثل القمح بالروبل. والقائمة تطول.
    كانت هذه من أهم الإجراءات التي أحبطت المخطط الغربي بإفشال الروبل وانهياره، وساعدت في تعافيه سريعاً. لكن من الناحية العملية كانت هذه الإجراءات مكلفة جداً لروسيا. لإن هذه الإجراءات الإستثنائية تقيد حدود الاستثمار عندما تكون الفائدة مرتفعة. وبعد أن ثبت الروبل وصعد إلى حدود ال60 روبل مقابل الدولار، استقرت الأمور، وبهذا فقد أفشلت روسيا المخطط الغربي. فما هي الأسباب التي دفعت الروبل إلى الصعود؟
    في الواقع السبب الأول كان حُزمة القرارات التي اتخذها البنك المركزي الروسي، أما السبب الثاني فهو استثناء الغرب لمنتوجات الطاقة من النفط والغاز على قاعدة "مكره أخاك لا بطل"؛ لإن استبدال منتوجات الطاقة الروسية مستحيلة في الفترة الحالية.
    ساهم استثناء العقوبات الغربية بعض القطاعات الروسية، ومن ضمنها قطاع الطاقة، إلى تخفيف القيود كثيراً على الاقتصاد الروسي. فعائدات منتوجات الطاقة تشكل بحدود 50% من مجمل التجارة الخارجية، ومع ظروف الحرب ارتفعت قيمة منتوجات الطاقة؛ بحيث أصبحت العقوبات الغربية على روسيا ليست ذات شأن كبير. فتقدر بعض الجهات الغربية بإن روسيا ستسجل عائداً بقيمة 320 مليار دولار هذه السنة مقارنة ب200 مليار للعام الماضي. هذا بالإضافة إلى أن روسيا لديها الكثير من البدائل لتصريف منتوجات الطاقة؛ بتصديرها إلى الهند والصين وبعض دول الجوار الأسيوية والافريقية. ولهذا فخسارتها لجزء من صادراتها إلى السوق الأوروبي، سيجد طريقه في العمق الاسيوي والافريقي.
    أما السبب الأخير فهو قوة الاقتصاد الروسي ومرونته، وهذا ما أغفله الغرب تماماً. فغالباً ما تقاس قوة الاقتصاد بالناتج القومي الإجمالي الإسمي Nominal GDP مقوماً بسعر صرف الدولار. وروسيا ناتجها القومي 1.5 ترليون مقوماً بسعر صرف الدولار، وهذا معيار نسبي. أما المعيار الأكثر أهمية وهو معادل القوة الشرائية PPP(Purchasing Power Parity)، أي كم يشتري الدولار في أمريكا ونفس الدولار كم يشتري في البلد المعني، وحسب هذا المعيار فقيمة 1.5 ترليون دولار تعادل 4.5 – 5 ترليونات دولار بحسب القيمة الشرائية للدولار في روسيا. وبهذا فقوة الاقتصاد الروسي هو الخامس عالمياً حسب هذا المؤشر الواقعي. وبهذا فالأولى هي الصين عالمياً ومن ثم تليها الولايات المتحدة في المركز الثاني. فقوة الاقتصاد تعبر عنها القيمة الحقيقية لقوة شراء الدولار الواحد كل في بلده. وهذا هو المقوم الحقيقي الذي يتغاضى عنه الغرب ويحاول التشهير بروسيا والتنمر بأنها ليست دولة عظمى وقوة اقتصادها متواضعة، وما إلى ذلك من أكاذيب دعائية تحاول النيل من الاقتصاد الروسي في محاولة إلى تقزيمه. لكن الدعاية شيء والواقع شيء أخر، وقد أثبتت روسيا ذلك بالفعل. فالاقتصاد الغربي يترنح وروسيا تزدهر رغماً عن الحصار والعقوبات.





    [21-06-2022 01:00 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع