الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    لا تراهنوا على هذا القطاع!

     

    هيثم احمد الخصاونة


    أتحدث عن قطاع صناعة الألبسة والمحيكات أو ما كان يسمى بقطاع الـ QIZ الذي ينتج ويصدر الألبسة الجاهزة إلى أسواق الولايات المتحدة الأمريكية، وبدئ العمل به في منتصف تسعينات القرن الماضي، بقصد الاستفادة من التسهيلات التي منحتها السلطات الأمريكية لمنتجات الألبسة لبعض الدول، ومنها الأردن، مكنتها من الدخول إلى الأسواق الأمريكية من دون قيود.
    هذا القطاع يعتمد على العمالة الوافدة الآسيوية بنسب تزيد عن ٧٥٪ ، وقد أخفقت معظم الشركات في تحقيق نسبة ال ٢٥٪ للعمالة الأردنية، التي حددتها الحكومة خلال أكثر من عشرين سنة، في حين لوحظ أن معظم الشركات التي حققت نسبة ال ٢٥٪ هي التي تُشغِّل فرع انتاجي واحد او اكثر التي اصطلح على تسميتها بـ الساتالايت بروجكتس في المناطق النائية، وهي مبادرات ملكية تنفذ بالشراكة ما بين الحكومة والشركات العاملة في هذه القطاع، وحصلت على دعم حكومي تمثل في تغطية كلف البناء أو ما يسمى بالهنجر، بالإضافة إلى دعم أجور العمال الاردنيين بنسبة ٥٠ ٪ من الحد الأدنى للأجور لمدد تصل إلى سنتين، أي أن معظم كلف هذه الفروع مغطاة بدعم حكومي.
    بعد أن حَلَّت اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكيا محل اتفاقية ال QIZ استمرت شركات تصنيع الملابس في الإنتاج لغايات التصدير لأسواق الولايات المتحدة الأمريكية.
    أهم المآخذ على هذا القطاع هي أنه حاصل على إعفاءات من ضرائب الدخل والجمارك و تخفيض على رسوم تصاريح العمل.
    القيمة المضافة فيه متدنية ولا تزيد عن ٥ ٪ في أحسن الأحوال؛ لأن معظم مدخلات الإنتاج منشأها غير أردني كالخيوط والأقمشة ومواد التغليف والآلات وغيرها، وأكثر من ٧٥٪ من العمالة الرئيسية المستخدمة في هذا القطاع هي غير اردنية، وأن الادعاء بأن هذا القطاع يساهم بنسبة ٢٧٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحاجة إلى إعادة نظر.
    هذه الصناعة وضعت الأردن في الماضي على القائمة السوداء في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية، بعد أن اتهمت جهات داخل أمريكا معنية بالدفاع عن حقوق العمال الأسواق الأمريكية بأنها تعرض بضائع وسلع تنتجها عمالة تعمل في ظروف عمل سيئة إلى أن تمكنت الجهات المعنية في الأردن من رفع اسم الأردن من قائمة وزارة الخارجية في شهر أيلول ٢٠١٧ وتحسين صورة هذا القطاع من خلال فرض تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بتحسين شروط وبيئة العمل والحفاظ على حقوق العمال، لكنها لم تتمكن من تحسين مستويات الأجور، من المآخذ الاخرى على هذا القطاع هي أن وكالات التوظيف في الدول المرسلة للعمالة تتقاضى عمولات بمبالغ مرتفعة، مقابل عقود العمل التي يحصل عليها العمال للقدوم للعمل في هذا القطاع، يضاف إلى ذلك خطورة إغلاق هذه المصانع بشكل تام، الأمر الذي قد يتسبب بتسريح مئات العمال الاردنيين والآسيويين بشكل مفاجئ ومأساوي.
    أسباب عزوف الأردنيين عن العمل في هذا القطاع كثيرة: منها أن العمل فيه يعتبر من الأعمال الشاقة والمرهقة، التي تسبب بعض الأمراض المهنية، وكذلك ساعات العمل الطويلة والأجور المتدنية، ناهيك عن هذا العمل لا يوفر للعامل مسارا مهنيا Career Track في حياته العملية، وعدم وجود تأمين طبي لعائلة العامل، بالإضافة إلى اعتماده بشكل أساسي على العمالة الآسيوية ذات الأجور المتدنية، باستثناء الوظائف الإدارية والمالية والخدمات المساندة التي يقدر عددها بالمئات.
    من العوامل الأخرى التي تسببت في عزوف الاردنيين عن العمل أن هذه الصناعة: تدني الرواتب التي تدفع للعمال الأردنيين، التي تساوي أو تزيد قليلا عن الحد الأدنى للأجور البالغ ٢٦٠ دينار، وان إمكانية زيادة الأجور في هذا القطاع تبقى محدودة جدا، فقد لوحظ أن شركات صناعة المحيكات غالباً ما تكون عاجزة عن رفع الحد الأدنى للأجور، الذي تقره الحكومة، وكانت تتهرب من تطبيقه من خلال توقيع اتفاقيات عمل جماعية مع نقابة العاملين في قطاع الغزل والنسيج والمحيكات، باعتبارها ممثلة للعمال، حيث كانت تُمنح الزيادة التي تراوحت ما بين ٣٠ إلى ٤٠ دينار في كل مرة بالاتفاق مع النقابة على رفع الأجور على سنتين أو أكثر، بذريعة أنها قد تضطر للاغلاق إذا فرضت عليها الزيادة مرةً واحدة.
    تدعي هذه الشركات أن أسباب عدم قدرتها على دفع أجور أعلى للعمال عائد إلى أن هامش الربح لديها محدود جدا، نظرا للمنافسة الشديدة التي تواجهها من المنتجين المنافسين في دول شرق آسيا بشكل أساسي، لجهة أنه يتوفر لديها عمالة رخيصة وكلف إنتاج منخفضة جدا، بالمقارنة مع كلف الإنتاج في الأردن، وأن الأمر سيزداد تعقيدا إذا تم رفع أسعار المحروقات بشكل غير مسبوق كما هو متوقع.
    العمالة الآسيوية تتقاضى أجرها على حالتين: أجور عينية مثل السكن والمواصلات وبدل وجبات الطعام التي تقدم للعمال، وتعادل ٣٥٪ او ربما اكثر بقليل، والأجر المادي الذي يقدر بحد اقصى بحوالي ٦٥٪ من الحد الادنى للأجور البالغ ٢٦٠ دينار.
    العمالة الآسيوية ترفع أجرها الشهري من خلال زيادة ساعات عمل إضافي، قد تصل إلى أكثر من ١٤ ساعة يوميا في بعض الحالات، خاصة عندما تكون الشركات ملزمة بتسليم طلبيات للمشترين أو ما اصطلح على تسميتهم ب (Buyers) في مواعيد محددة من خلال الشحن البحري من ميناء حيفا، وأنها إذا تجاوزت هذه المواعيد فعليها شحن منتجاتها بالشحن الجوي وهذا مكلف جدا.
    لكن من الجوانب الإيجابية لهذه الصناعة: أنها وفرت ما لا يزيد عن ٥٠٠٠ فرصة عمل خلال قرابة ثلاثة عقود معظمها للإناث في الفروع الإنتاجية في المناطق النائية، والأكثر إيجابيةً أن معظم هذه الفرص تشغلها الإناث وهي مناسبة لهن في المديين القصير والمتوسط، لكنها قد تصبح غير ذات جدوى في المدى البعيد.
    إن الرهان على هذا القطاع بأنه سيخلق عشرات آلاف من فرص العمل ينطوي على مخاطر كبيرة تهدد خطط الحكومة في حل مشكلة البطالة في الأردن.





    [15-06-2022 07:08 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع