الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الطاقة المتجددة… وحروب المستقبل


    شكلت الصراعات على مكامن النفط والغاز طوال العقود الماضية أهمية كبرى بين الدول المهيمنة في مجال الطاقة على معادلاتها الجيوسياسية في العديد من مناطق العالم، ولسنوات طويلة وخاصة المناطق المليئة بالاضطرابات. ولطالما كان النفط مصدر للقلق والحروب والصراعات بين الدول الغنية، التي تتحكم بمصير هذا الكوكب.
    غذّت دوافع السيطرة على مكامن الطاقة الاحفورية (النفط والغاز، والزيت الصخري) لسنوات طويلة الصراعات على الساحة الكونية. كما فرضت حروب الطاقة واقعاً في البحث والتنقيب عن الوقود الأحفوري على مدار ثلاثة قرون، وحددت من خلاله مسار صعود وهبوط القوى العظمى. فقد ساعدت مناجم الفحم على إطلاق الثورة الصناعية لبريطانيا وتوسيع إمبراطوريتها. كما ساعد إستخراج النفط والغاز الموجود بكثرة صعود الاتحاد السوفييتي وعزز في بناء قوته العسكرية، وكان للنفط والزيت الصخري أثراً كبيراً في رسم ملامح القرن الأمريكي وتحالفات الولايات المتحدة وانتشار قواعدها العسكرية بالقرب من مصادر النفط، التي عززت من دورها وتصدرها للاقتصاد العالمي والهيمنة المستمرة.
    بعد تراجع التصنيع في الغرب وانتقاله إلى الدول النامية في العقود الأخيرة، أصبحت الدول في الشرق والجنوب تنتج سلعاً للغرب، يدفع ثمنها من امواله المطبوعة دون غطاء. هذا النظام المالي العالمي غير المستقر وصل إلى نهايته، ولأن الرأسمالية تسعى دوماً إلى تأجيل أزماتها وإعادة تدويرها، كان لا بد من إيجاد الحلول لإستمرارها، وبهذا وجد الغرب غايته في فرض الضرائب على البلدان المصنعة لتلك الطاقة القذرة بيئياً، وهي عملية احتيال من قبل الغرب لاكتناز الأموال وسرقتها من الدول المصنعة. فهذا الضجيج الإعلامي للحصول على الطاقة النظيفة من الشمس والرياح وأمواج البحر، ما هي إلا لتبرير أفعالها. فالطاقة البديلة لا زالت غير جاهزة لتحل مكان الطاقة الأحفورية بعد، وعندما ستحل في المستقبل، فإن حروب الغرب الجديدة ستكون خاسرة أيضاً لإنها ستحارب نفس الدول التي تتصارع معها اليوم على قيادة العالم. فالصين تنتج الأدوات المستخدمة لإنتاج هذه الطاقة، فهي تستحوذ على أكثر من 60% من إجمالي إنتاج العالم من ألواح الطاقة الشمسية، وهو مستوى يعادل سيطرة الدول المصدرة للبترول اوبيك عند الحديث عن النفط. كما تمتلك الكثير من المواد الخام المستخدمة في صناعة مستلزمات الطاقة المتجددة، وتسيطرعلى نسبة 90% من بعض المعادن النادرة لصناعة توربينات الطاقة والسيارات الكهربائية. أما روسيا فتتصدر دول العالم في إمتلاكها للكثير من المعادن المستخدمة في الصناعات التكنولوجية الحديثة، ولا سيما التيتانيوم اللازم للصناعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وغيرها من الصناعات الهامة.
    إن مسألة البحث عن مصادر جديدة للطاقة لتحل محل الوقود الأحفوري هو أمر طبيعي، وهي طاقة أقل ضرراً وأكثر ديمومة لاعتمادها بشكل أساسي على الموارد الطبيعية المتجددة من الشمس والمياه والرياح، التي تتمتع بعدة مزايا، فهي أقل كلفة ولا تسبب أي أضرار للبيئة. ولهذا سميت بالطاقة البديلة أو المتجددة أوالنظيفة. وعلى الرغم من عدم الجاهزية التامة للانتقال نحو الطاقة البديلة، إلا أن الغرب والولايات المتحدة قد أعدوا العدة من الآن وحددوا مساراً لحروب المستقبل حول مصادر هذه الطاقة وسبل الهيمنة عليها، وجعلوها هدفاً قادماً للنزاعات الإقليمية والدولية والتي يجري التسويق لها من الآن؛ لرسم الملامح الجيوسياسية الجديدة في الصراع العالمي على تقاسم مناطق النفوذ.





    [12-06-2022 02:28 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع