الرئيسية صوتنا

شارك من خلال الواتس اب
    هل يعيش العالم فوضى خلّاقة؟

    أحداث اليوم -

    محمد ابوعريضة

     

    2
    هو السؤال الذي نحاول، منذ أن أطلِق قبل عقدين، أن نجيب عنه، لكن ما زال غموض المشهد الكوني يشي بأننا نعيش حالة "الفوضى الخلّاقة" هذه، ما يعني أن هذا المصطلح ليس مجرد إجراءت وخطط واستراتيجيات محددة، بل سياق تاريخي، يكتسب آلياته من نفسه، كما هو الكائن البشري، خلاياه تتوالد خلايا أخرى تتماثل وتختلف في الآن عينه، لكنها تتكامل مع ما سبقها، وهكذا دواليك.
    تعتمد الفوضى الخلاقة على فرضية "فجوة الاستقرار"، التي صاغها "صموئيل هننجتون"، وهي فجوة افتراضية، يشعر بها أي مواطن بين ما هو كائن، وما يجب أن يكون. اتساع هذه الفجوة يُوَلٍد احباطًا، ونقمة تساعدان على زعزعة الاستقرار السياسي، خاصة إذا ما انعدمت الحرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكان النظام السياسي ضعيف القدرة على التكيف.
    ارتكزت الفوضى الخلاقة على إيديولوجيا أمريكية، نابعة من مدرستين أمريكيتين في الفلسفة، أولهما: "نهاية التاريخ"، لـ"فرانسيس فوكوياما". "فوكوياما"هذا يُقسِم العالم إلى جزئين، جزء غارق في الاضطرابات والحروب، وهو الجزء من العالم، الذي لم يلتحق بعد بالنموذج الديموقراطي الامريكي، وجزء آخر: هو عالم ما بعد "الديموقراطية الليبرالية" الأمريكية، والمدرسة الثانية: هي "صراع الحضارات"، لـ"هننجتون"، الذي يعتبر أن مصدر النزاعات والانقسامات في العالم، سيكون حضاري وثقافي، وأن الخطوط الفاصلة بين الحضارات، ستكون هي خطوط التماس الفاصلة بين المتصارعين، في معارك المستقبل.
    البرفسور "توما برانيت"، وهو من أهم محاضري وزارة الدفاع الأمريكية، هو من طور فرضية الفوضى الخلاقة، حينما قسم العالم إلى أولًا: مَنْ هم في القلب، أو المركز، وهم أمريكا وحلفاؤها، وثانيًا: دول العالم الأخرى، وأطلق عليهم "دول الفجوة"، و "دول الثقب"، دول الثقب، حسبه، مصابة بالحكم الاستبدادي، والأمراض المختلفة، مثل الفقر، والقتل الجماعي الروتيني، والنزاعات المزمنة، وتعتبر هذه الدول، كما يقول، بمثابة مزارع لتفريخ أجيال من الإرهابيين، لذلك فإنه يتحتم على دول القلب ردع أسوأ صادرات دول الثقب، والعمل على انكماش الثقب، من داخله، ويخلص إلى نتيجة مفادها: إن الدبلوماسية مع الدول العربية لم تعد مجدية، فهذه الدول، بعد احتلال العراق، لم تعد تهدد أمريكا، وإسرائيل، وأن التهديدات الحقيقية تكمن داخل هذه الدول، بفعل العلاقة غير السوية بين الحكام والمحكومين، ليصل إلى نتيجة أخرى، مفادها: إن الأوضاع، في الدول العربية، وصلت إلى درجة من السوء، ما يستدعي تدخل قوى خارجية، للسيطرة على الأوضاع فيها، وإعادة بناء هذه الدول على نحو يُعجل في انكماش الثقوب، فسياسة الاحتواء من الخارج، لم تعد مقبولة، لينهي كلامة بالقول: على أمريكا أن تتدخل، لأنها الدولة الوحيدة القادرة على ذلك.
    يعتقد أصحاب "الفوضى الخلَّاقة" أن خلق حالة من الفوضى، وعدم الاستقرار، سيؤدي، حتمًا، إلى بناء نظام سياسي جديد، يوفر الأمن، والازدهار، والحرية، وهو ما يشبه العلاج بالصدمة، لعودة الحياة من جديد، ويعتبر المدير التنفيذي لمؤسسة "واشنطن لسياسات الشرق الأوسط" "روبرت ساتلوف"، وهو ذو ميول صهيونية، وأحد أقطاب الفوضى الخلاقة المهمين أنه يجب التخلص من بعض النفاهيم المغلوطة في السياسة، وعلى راسها "الوطن العربي".
    "ساتلوف" هذان كان قد طالب بإقصاء مصطلح العالم العربي من القاموس الدبلوماسي الأمريكي، والتعامل مع الدول العربية، عبر مقاربة كل بلد على حدة، ويقول الباحث "مايكل ماكفيل"، في السياق ذاته: لم يعد بوسع أمريكا الحفاظ على الوضع الراهن في البلاد العربية، عليها السعي لإحداث تغيير سريع فيها، وهذا يتطلب، حسب رأيه، أن تكون أمريكا عدوانية بطبيعتها، فالشأن الداخلي لأية دولة، كما يعتقد "ساتلوف"، لم يعد، بالنسبة لأمريكا، شأنًا خاصًا بهذه الدولة، إن كان له علاقة ما بالأمن القومي الأمريكي، المرتبط، ابتداءً، بتأمين سيطرة أمريكا على حقول النفط العربية، والمحافظة على أمن إسرائيل، لذا فإن الأوضاع الداخلية، لدول الثقب، تحتاج تحولًا شاملًا، لن يحدث إلا عبر "التدمير الخلاق" للدول العربية، وإزالة الأنقاض، ورفع الأشلاء، وتصميم نظام سياسي جديد، ومختلف، لا يراوغ، ولا يشترط، ولا يهدد مصالح أمريكا.
    اعتبر "ساتلوف" أن الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط تقاس على مسطرة المصالح الأمريكية، وكان قد قدم ورقة للإدارة الأمريكية، شجع فيها حالة الغليان، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، طالما أن صراع المعارضة مع الحكام، سيخلق حالة تخدم مصالح أمريكا.
    "كونداليسا رايس" كانت قد قالت عام 2008، إبان احتفالات الكيان الصهيوني بالذكرى الستين لتأسيس كيانه: سعت أمريكا إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديموقراطية، فلم يتحقق أي منهما، لا الاستقرار ولا الديموقراطية، فمن يقول أن الديموقراطية تقود إلى الفوضى، والصراع، والإرهاب مخطئًا، إن العكس هو الصحيح، بمعنى أن الفوضى تمثل الأساس المنهجي لخلق الديموقراطية المنشودة، على الطريقة الأمريكية.
    مراحل تنفيذ الفوضى الخلاقة
    1: خلخلة حالة الجمود، والتصلب غير المرغوب بهما، في النظام المستهدف.
    2: تنفيذ حراكات، وإحداث فوضى مربكة، ومقلقة للنظام.
    3: توجيه تلك الفوضى، وإدارتها للوصول إلى الوضع المرغوب فيه.
    4: استخدام المدخلات، التي أججت الفوضى، لإخمادها، لتثبيت الوضع الجديد، بشكل نهائي.





    [13-06-2022 12:10 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع