الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وأثرها علـى الغرب



    تعاني الولايات المتحدة من التضخم الهائل والمديونية المتزايدة التي تعدت الـ 30.3 ترليون مع نهاية العام الماضي، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع في السنوات الأخيرة، وأصبح من الصعب السيطرة عليها عن طريق سياسات التيسير الكمي، وطباعة النقود غير المغطاة. فقد دأبت الولايات المتحدة على سد العجز في ميزانيتها العمومية عن طريق تصدير سندات التمويل، فكانت الدول التي تتمتع بميزان تجاري إيجابي كبعض الدول الأوروبية واليابان وروسيا والصين تستثمر في هذه السندات، التي وصلت إلى شراء 80% من السندات الأمريكية، ما أتاح المجال للولايات المتحدة دوماً من تغطية العجز في الموازنة لديها وتمويل المستوى المعيشي المبالغ به وتمويل الحملات العسكرية المختلفة في العالم. لكن ذلك أصبح غير كافٍ بعد عام 2008 عند اندلاع أزمة التمويل العقاري داخل الولايات المتحدة، والتي صدرتها لكافة دول العالم ونتج عنها أزمة مالية عالمية دفع ثمنها كافة الشعوب في العالم. كان الحل لدى أمريكا لسد العجز هو اللجوء "لسياسة التيسير الكمي"، أي طباعة النقود غير المغطاة. ومنذ ذلك التاريخ ضاعفت الولايات المتحدة دولاراتها في العالم عدة أضعاف. وبالتالي، فإن تفاقم مشاكل النظام الأقتصادي الرأسمالي العالمي يوماً بعد يوم، جاء كنتيجة حتمية لطبيعة الخلل في البنية الهيكلية في النظام الرأسمالي، وتنامي هرم الديون الهائلة، التي أصبحت تشكّل تحدياً صارخاً للرأسمالية نفسها، بحيث أصبح من غير الممكن الهروب المستمر بتأجيل الأزمات كما كانت ولا تزال تفعل دوماً. أما الآن؛ فإن الظروف المحيطة بالحرب الروسية – الأوكرانية وحروب الطاقة تساهم في وضع المزيد من العقبات بالنسبة للغرب، الذي أصبح يعاني من الشروط التي فرضتها روسيا بدورها لبيع منتجاتها من النفط والغاز بالروبل، مما وضع الغرب والولايات المتحدة في مأزق.
    تأثير العقوبات الغربية على روسيا سلبية على الاقتصاد العالمي، منها الزيادة المفرطة في ارتفاع أسعار المواد الخام التي سارعت بتفاقم الأزمة حالياً وربما التسريع في عملية انهيار النظام المالي العالمي الذي يحتضر منذ فترة غير وجيزة.

    الأوضاع أصبحت الآن خارج السيطرة في ظل هذه الزيادة المفرطة في التضخم، الذي بلغ نحو 8% في الولايات المتحدة لغاية الآن، الأمرالذي سيؤدي بالضرورة إلى زيادة كبيرة في الأسعار. عداك عن خطر تخلص الدول من سندات الديون على غرار ما أقدمت عليه روسيا، فقد قامت روسيا بالتخلص من استثماراتها في سندات الديون الأمريكية بتخفيضها من 93.8 مليار إلى 2 مليار في غضون أربع سنوات. وبعد أن قام الغرب الآن بتجميد الأصول الروسية فقد حرصت الصين على البدء في التخلص من سندات الديون بدورها لتفادي إمكانية التصادم مع الغرب في المستقبل. فهذه الحقائق ستؤثر بشكل مباشر على أداء الاقتصاد الأمريكي في الفترة المقبلة.

    أما الاتحاد الأوروبي الذي أصبح تابعاً للولايات المتحدة وإملاءاتها فقد أمسى مسلوب الإرادة ويتصرف بغباء في معاداته لروسيا. فمستقبل أوروبا مرهون بعلاقتها مع روسيا المصدر الأقوى عالمياً للكثير من السلع والخدمات اللازمة للصناعات المختلفة. فقد يضطر الغرب لدفع ثمناً باهضاً جراء العقوبات التي فرضها على روسيا التي أدت إلى يومنا هذا في الارتفاع الهائل في أسعار المواد الخام والطاقة من النفط والغاز، ما سينعكس بالضرورة على الأداء الإقتصدي ويؤدي إلى زيادة مفرطة في الأسعار الاستهلاكية، في ظل حفاظ البنوك الأوروبية على أسعار فائدة منخفضة تقارب الصفر، فالخطر يكمن هنا في هروب رأس المال الأوروبي نحو الولايات المتحدة نتيجة أرتفاع سعر الفائدة لديها مما سيؤدي إلى إضعاف اليورو ويسرّع في وتيرة زيادة التضخم، خاصة وأن أوروبا قد طبعت الكثير من اليوروهات غير المغطاة أيضاً في السنوات الماضية في ظل الجائحة لتغطية العجز في الموازنات التي نجمت عنها. فالوضع الأوروبي أكثر تعقيداً كما تواجه أوروبا تحديات أكبر وأولها مشكلة الطاقة التي ليس من الممكن حلها بسهولة، فمن الناحية العملية لا يمكن استبدال مصادر الطاقة الروسية وخاصة الغاز الروسي في غضون أشهر بل يحتاج إلى سنوات طويلة ما بين 5-10 سنوات تقريباً. وبالتالي فإن روسيا تملك العديد من المقومات وبدائل للتجارة الخارجية لتصريف منتوجاتها في العمق الأسيوي مما سيبقي خياراتها مفتوحة وفي وضع أفضلية بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة.





    [05-06-2022 01:07 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع