الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    هل نجح الغرب في عزل روسيا عن العالم الخارجي؟



    منذ العام 2014 ، تحديداً عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها، أو بمعنى أصح أعادتها إلى روسيا، وهي أرض روسية تاريخياً، ظن الغرب بأنه سيتمكن من هزيمة روسيا، كما سبق له آبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، والذي أدى إلى إنهياره. ولكن الروس استفادوا من دروس التاريخ ولن يسمحوا للغرب بالتمادي في تقزيم دورهم على الساحة الكونية.
    روسيا هي دولة عظمى وتتصرف وفقاً لذلك. فالتغير في شكل الصراع الرأسمالي في العالم قد فرض واقعاً جديداً متحركاً ومشروعاً اقتصادياً طموحاً قادراً على إنهاء سيطرة الغرب وتسيده وسرقته للدول النامية وإفقارها لتصبح ضعيفة الحيلة ومسلوبة الإرادة.
    فَقد الغرب بريقه الذي عاش في كنفه في تسعينات القرن الماضي، عندما انهار الاتحاد السوفييتي، وأصبحت روسيا من أكبر الأسواق المستوردة لكافة البضائع الأوروبية، والتي كدسّ من خلالها الغرب المليارات، ولكن على الجانب الآخر فقد طرأت تغيرات جذرية في العقدين الماضيين، وبدأ الاقتصاد الروسي بالتعافي والصعود بشكل كبير ولافت. مما حدا بالغرب إلى حياكة المكائد التي من شأنها تقويض الدور الروسي وأضعافه. فبدء بسلسلة من العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا في العام 2014، فماذا فعلت روسيا بالمقابل؟

    أولاً: كانت هذه العقوبات دافعاً قوياً لها في الاعتماد على الذات وتطوير ذات القطاعات التي طالتها العقوبات، وبهذا فقد نما الاقتصاد في تلك القطاعات ومنها القطاع الزراعي وأصبح تصدير روسيا من المنتوجات الغذائية يفوق تصديرها للسلاح. وبهذا فقد استطاعت روسيا من استعادة سيطرتها على سوقها الداخلية رويداً رويداً.

    ثانياً : اعتمدت روسيا على صادراتها من النفط والغاز وبعض المعادن الثمينة بجانب المنتوجات الزراعية، مما أدى إلى نمو حجم احتياطاتها من النقد الأجنبي وأصبح الميزان التجاري لديها إيجابياً، فاستطاعت أن تراكم احتياطها من الذهب والنقد الأجنبي الذي بلغ 640 مليار دولار أمريكي في شهر أبريل من العام الحالي. مع أن الغرب قد قام بتجميد ما يقارب من ال 300 مليار ضمن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا كعقاب لها على حملتها العسكرية لحماية قطاع الدونباس. ومع ذلك لا يزال احتياطها من النقد الأجنبي عالياً.

    ثالثاً : عمدت روسيا مؤخر في تنفيذ سلسلة من الإجراءات، منها زيادة احتياطاتها من الذهب بشكل كبير. فيشير المحللون الاقتصاديون بأن أهمية الذهب الروسي تكمن في صعوبة استهداف تعاملاته الدولية، عكس النظام المالي العالمي التي تتحكم فيه الولايات المتحدة وبعض الدول الإوروبية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن روسيا تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج الذهب بإنتاج حوالي 331 طناً من الذهب مقابل 368 طناً ما تنتجه الصين. ويعد الذهب ملاذاً أمناً في الحروب فمن يمتلك الذهب بكثرة يستطيع تصريفه لدعم اقتصاده. وقد ضاعف البنك المركزي الروسي احتياطاته من الذهب إلى ستة أضعاف منذ العام 2010 لغاية هذه السنة، وتعتبر روسيا خامس أكبر مخزن عالمي من الذهب بقيمة لا تقل عن 140 مليار دولار.

    رابعاً: ربطت روسيا الروبل بالذهب وهذا إعلان صريح على تمكنها من قلب موازيين السوق العالمية من خلال مضاعفة سعرة وتحطيم الدولار في فترة وجيزة.

    خامساً : خفضت روسيا استثماراتها في سندات الديون الأمريكية التي بلغت 93.8 مليار في العام 2018 ، في حين وصلت إلى 2 مليار فقط في هذا العام. فقد دأبت الحكومة الروسية على تقليص استثماراتها في الديون الأمريكية في مقابل زيادة مخزونها من المعدن الأصفر.

    سادساً: ارتفاع سعر صرف الروبل مقابل اليورو والدولار، رغم العقوبات المفروضة عليها، عزز الميزان التجاري الخارجي وسارع في تسارع انخفاض معدل التضخم.

    كل هذه الدلائل تشير إلى قوة الاقتصاد الروسي وتماسك الدولة والتركيزعلى توجيه إقتصادها بما يتضمن الحفاظ على مصالحها الحيوية والوقوف في وجه أمريكا في صراعهما العالمي. إن مسألة القضاء على روسيا هي ضرب من الأوهام، ومهما كانت صعوبة العقوبات التي فرضها الغرب عليهم فإن أثارها العكسية أكبر بكثير عليهم مما هي على روسيا، التي لديها الكثير من الملفات التي استطاعت من خلالها الرد على الغرب وعقوباته لينقلب السحر على الساحر. وبالتالي فقد عجز الغرب لغاية اللحظة من هزيمة روسيا وعزلها في كافة المقاييس. في حين استطاعت روسيا أن تكسر هذا الطوق الذي يحيط بها ويهدد مصالحها الجيوسياسية، وأنطلقت نحو تحقيق حلمها الوطني في بناء اقتصاد قوي قادر على المنافسة بمساعدة دول الجوار ومن ضمنها الصين الحليف القوي والذي سيغدو الدولة الاقتصادية الأولى في العالم قريباً.





    [30-05-2022 10:06 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع