الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    كيف يتلاعب الغرب بأسعار النفط والذهب؟


    بعد إكتشاف الذهب الأسود"البترول" تغير شكل الهيمنة، التي فرضتها الدول الاستعمارية على الدول النامية المنتجة للبترول كسلعة استراتيجية، ناهيك عن الذهب؛ السلعة الاستراتيجية التي كانت مستخدمة للتبادل التجاري بين الدول لقرون خلت.
    أما بعد أن تم ربط الدولار بالذهب في "بريتون وودز" وفك الارتباط به فيما بعد، بقي لتلك المنتجات أهميتها الخاصة في الاقتصاد الدولي، فقد فرضت الرأسمالية أشكالاً جديدة من الاستعمار عن طريق التلاعب بأسعار تلك المنتجات، بحيث لا تعكس قيمتها الحقيقية في التبادل غيرالمتكافئ بين الغرب والدول المصدرة لتلك الموارد، وهي الدول النامية التي تمتلك بكثره هذه السلع الثمينة. وبهذا فقد استمر الغرب على مدار عشرات السنين في سرقة تلك السلع مقابل الفتات، بل وتحكم في سعر تلك المنتجات بحيث يخفض الأسعار ويرفعها حسب مصالحه الاستراتيجية وحروبه وصراعاته الدولية. أفضل مثال على ذلك هو تكلفة الإنتاج المرتفعة للبترول في الدول الغربية. فعلى سبيل المثال، فإن التكلفة الإجمالية لإنتاج برميل واحد من النفط البريطاني تصل إلى 52.3 دولار مقابل 8.3 دولار للبرميل الواحد من النفط الكويتي. أما النفط الأمريكي المستخرج من الزيت الصخري فتكلفة إنتاجه الإجمالية للبرميل تصل إلى 36.3 دولار للبرميل، وهي الرابعة عالميا من حيث تكلفة الإنتاج المرتفعة. بحيث تشمل تكاليف الإنتاج الإجمالية التكلفة التشغيلية والرأسمالية. فالتكاليف التشغيلية، تلك التكاليف المتعلقة بعمليات ضخ النفط من الحقول وأعمال الصيانة وأجور الموظفين والمهندسين ونقل النفط الى مرافئ التصدير وغيرها من التكاليف الأخرى، في حين أن التكاليف الرأسمالية، هي التكاليف المتعلقة بعمليات التنقيب والحفر والمعالجة وبناء المنشآت والأنابيب والمعدات.
    التكلفة المرتفعة لاستخراج النفط لدى الدول الغربية يجعلها تحافظ على بقاء أسعارالنفط عند مستويات مرتفعة لضمان ربحية هذه المشاريع. ومن هنا يبدأ التلاعب بأسعار النفط. فسعر النفط لا يخضع لقاعدة العرض والطلب كما يظن الكثيرين، بل يخضع لقرار سياسي مبني على مصالح الدول الاستراتيجية في حروبها وصراعاتها الدولية المختلفة. فعندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم لأراضيها عام 2014 قرر الغرب تدمير الاقتصاد الروسي الذي يعتمد بشكل رئيسي على النفط والغاز، التي تصل تكلفة إنتاجه الإجمالية للبرميل نحو 17.3 دولار. فقام بتخفيض حاد في أسعار النفط، فأنخفض سعر برميل خام برنت من 112 دولار للبرميل في يناير 2014 إلى 33 دولار في بداية عام 2016 مع العلم أن الانتاج العالمي من النفط لم يتغير، وذلك يعني أن التغيير في الأسعار لم يخضع لقاعدة العرض والطلب، وإنما توجه استراتيجي.
    كذلك الحال بالنسبة للخامات الأخرى مثل الذهب الذي يتم تحديد سعره العالمي في بورصتين، بورصة لندن LMBA وبورصة نيويورك Comex و كلتا البورصتان تتعاملان في العقود الآجلة كالنفط، أي أنك لا تشتري أو تبيع الذهب مباشرة بل تلتزم بالتسليم من خلال العقد الآجل لشهر أو أكثر. مع العلم أن نسبة العقود التي تنتهي بتسليم حقيقي للذهب هي أقل من 1%، والمتبقي هي عقود إفتراضية يتم استردادها نقداً. وبالتالي فالدول الرأسمالية تستطيع من خلال بيع الالتزامات الافتراضية لشراء أو بيع الذهب، وليس الذهب المادي الحقيقي، أن تتحكم بميزان العرض والطلب الافتراضي ومن خلاله تستطيع زيادة أو خفض سعر الذهب بما تتطلب مصالحها السياسية. يكمن الخطر الحقيقي في نمو الطلب على الذهب، عندها سيتجاوز سعره العقود الافتراضية، ما قد يجعل مشترين هذه العقود الآجلة يطلبون تسلم ذهب حقيقي. عندها فقط سيرتفع سعر الذهب بشكل متسارع. فالدول الرأسمالية تقوم بسرقة دول العالم وتتحكم بالسلع الاستراتيجية عن طريق التلاعب وتحديد معاييرغير حقيقية تتناسب مع مصالحها فقط. أما الآن فمع استمرار سياسات التيسير الكمي وطباعة النقود غير المغطاة؛ فمن المؤكد أنها ستؤدي حتماً إلى تضخم مفرط على مستوى العالم، ولن يكون المخرج سوى بربط العملات بالذهب. وبهذا سينهار النظام المالي العالمي وربما سنعود مرة أخرى إلى قاعدة الذهب.





    [22-05-2022 11:29 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع